مصدر الموضوع الاصلي: قبسات من القران ((15))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (الزمر :21- 22 )
[21] يذكر الله جل وعلا أمثلة من قدرته العظيمة وصنعه البديع , وذلك في تكوين الماء وإيجاده على هذا النحو النافع لكل حي في هذه الأرض , ثم في إنزاله من السحاب وحفظه في الأرض في نسبة من الانخفاض معتدلة , فلو كان غائرًا في طبقات الأرض السفلي لما أمكن خروجه ولا استخراجه , ثم في إخراجه من الأرض في ينابيع تكون منها الأنهار والعيون الجارية , ثم إذا نزل الماء على الأرض من المطر أو سُقيت به الأرض أخرج الله به نباتا مختلفا ألوانه وأنواعه وأحجامه, ثم إذا انقطع عنه الماء يبس بعد رطوبته , واصفر لونه بعد خضرته ونضارته , ثم تحول إلى حطام متفتت , إن في ذلك الخلق والتقدير من الله تعالى لموعظةً لأصحاب العقول السليمة , حيث إن في ذلك مثلا بليغا للدنيا , فإن حالها كحال هذا النبات في نضارته المحدودة وبهجته المؤقتة , ثم في سرعة ذبوله وفنائه .
[22] ثم يبين الله تعالى الفرق الشاسع بين أهل الهداية وأهل الضلالة , فهل مَنْ وسَّع الله صدره وأناره بقبول الإسلام وتطبيق تكاليفه , فأصبح على نور يفيض عليه من ربه , كمن كان ضيق الصدر بالإسلام منطويا على ماهو فيه من غواية وضلالة ؟!
لايستوون عند الله تعالى , فالهلاك والمصير السيء للكافرين الذين تحجرت قلوبهم فأعرضوا عن ذكر الله جل وعلا والإيمان به , فإنهم في ضلال واضح عن الطريق المستقيم .
ويقول الله تبارك وتعالى :
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ) (الزمر :23- 24 )
[ 23] يبين الله سبحانه شيئا من مزايا القرآن العظيم وأثره على المؤمنين عند تلاوته , فالله تعالى هو الذي نزل هذا القرآن الذي هو أحسن الحديث , وسماه جل وعلا حديثا من باب أن النبي صلى الله عليه وسام كان يحدث به قومه , ووصفه الله تعالى بأنه متشابه وذلك في الحسن والإحكام والبلاغة, وأنه مثاني بمعنى أنه تثنى فيه القصص والأحكام من غير أن يكون فيه تناقض , وأنه من قوة تأثيره على سامعه تقشعر منه جلود المؤمنين الذين يعظمون ربهم ويخافونه لما فيه من وعيد وترهيب وعبر, ثم تلين جلودهم وقلوبهم حينما يتذكرون رحمة الله تعالى وقربه من أوليائه وفرحه بتوبتهم وإنابتهم, وهذا التأثر بالقرآن من توفيق الله تعالى لمن يشاء من عباده , لتوجه قلوبهم نحو الهداية , ومن يضلله عن التأثر بالقرآن والإيمان به لجنوحه نحو هوى نفسه فماله من هاد يوفق قلبه للإيمان .
[24] ثم يذكر الله جل وعلا مشهدًا من مشاهد الضالين يوم القيامة , حيث يردون النار وقد غلت أيديهم , فهم يتقون حرها بوجوههم , فهل هؤلاء خير أم المهتدون الذين يكونون يوم القيامة آمنين من عذاب الله تعالى سعداء بنعيمه في الجنة ؟ حيث يقال للكفار في ذلك اليوم- على سبيل التوبيخ والتحسير – ذوقوا من عذاب النار جزاء أعمالكم السيئة التي قدمتموها في الدنيا . |