مصدر الموضوع الاصلي: قبسات من القران ((10))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
يقول الله تبارك (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)(وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس : 36 : 37 – 38 – 39 – 40] .
[36] ينـزه الله عز وجل نفسه عن أن يكون له شركاء يُعبدون معه وهو الذي خلق الأحياء كلها أزواجا ذكورًا وإناثا , حتى النبات الذي قد يظن ظان أنه ليس فيه ذكورة وأنوثه , فهو كالإنسان والحيوان في ذلك , وخلق الأزواج مما لانعلمه كالجمادات , فسبحانه جل وعلا الذي وحد هؤلاء الخلق على نظام واحد .
[37 – 38] وآيات أخرى باهرة تدل على إنفراد الله جل وعلا بالألوهية والربوبية, فالنهار يكون متلبسا بالليل , ثم ينـزع الله النهار من الليل فإذا الناس في ظلام , والشمس تدور حول نفسها إلى أن تبلغ مستقرها الذي يعلمه الله , وحينما نتصور – كما يقول الفلكيون – أن حجم الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه , وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري ندرك شيئًا من قدرة الله تعالى العظيمة , فإن ذلك تقدير العزيز القوي العليم بجميع أمور خلقه .
[39] والقمر قدره الله جل وعلا منازل , يولد هلالا دقيقا ضعيفا ثم يكبر حتى يصير بدرا مستديرًا , ثم يدق ويضعف حتى يعود هلالا كعذق النخل القديم المتقوس , إن العقل البشري المستنير حينما يتأمل ذلك يدرك أن وراء هذه التحولات يَدٌ قادرة حكيمة .[40] ثم إن هذا النظام الكوني في سير الليل والنهار والشمس والقمر يتم بدقة متناهية فلا يطغى شيء على شيء , وكل جرم من الأجرام السماوية يسير في فلكه المخصص له , وإن هذه الدقة المتناهية والإحكام البديع في الصنع ليدل دلالة ظاهرة على تفرد خالق هذا الكون عز وجل بالربوبية والألوهية .
ويقول الله تبارك وتعالى: (وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ)(وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ)(إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ)(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) [يس :41 – 42-43-44-45-46].
[41-44] يذكر الله جل وعلا للمشركين علامة ظاهرة على قدرته البالغة وهي أنه علَّم أبا البشر الثاني نوحا عليه الصلاة والسلام صناعة السفينة وحمل أبناءه الذين هم أصل من بقي من البشر فيها , ولولا ذلك لهلك البشر , وأنه تعالى أوجد للمشركين وغيرهم مثل سفينة نوح وغيرها من المراكب التي تحملهم في أسفارهم , وهيأ لهم العوامل التي تكفل وصولهم ونجاتهم كالرياح وغيرها من الآلات التي ألهمهم صنعها , ولو شاء الله تعالى هلاكهم لأغرقهم في البحار مهما كانت جودة صناعتهم , ولو فعل ذلك فلن يجدوا من ينجدهم ولا من ينقذهم من الغرق, إلا إذا أدركتهم رحمة الله عز وجل فينجيهم ويبقيهم إلى أجل لعلهم يهتدون إلى الصراط المستقيم.
[45 – 46] ومع هذه الآيات البينة التي توقظ المشاعر فإن الله تعالى لم يقتصر عليها في التذكير, بل أرسل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذكرهم بما ينتظرهم في مستقبل أمرهم في آخرتهم من العذاب الأليم والحرمان من النعيم المقيم إن استمروا على كفرهم , وليذكِّرهم بما خلفهم من أخبار الأمم الماضية وماجرى لهم من الهلاك لما كذبوا رسلهم عليهم الصلاة والسلام لعلهم يؤمنون فيفوزون برحمة الله تعالى بهم , ولكنهم مع تلك الآيات الواضحات والتذكير المتواصل بما فيه نجاتهم وفلاحهم مايزالون معرضين عن الهداية والاستقامة , وهذا يعني أنهم قد ضلوا عن علم واتبعوا أهواءهم . |