مصدر الموضوع الاصلي: قبسات من القران((14))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )[الزمر : 7 – 8].
[7] يبين الله جل وعلا سعة ملكه وأنه غني عن الناس سواء كفروا به أو آمنوا فإيمانهم لايزيد في ملكه , وكفرهم لاينقص منه , ولكنه جل وعلا لايرضى لعباده الكفر ولايحبه منهم , بل الذي يرضيه منهم ويبلغ محبته أن يشكروه بالإيمان به وطاعته , فإن كفروا بالله تعالى ولم يشكروه فإنهم محاسبون ومجازون على سوء أعمالهم , وكل واحد منهم مسؤول عن نفسه ومحاسب على كسبه, فلا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى , فلا يغتر الأتباع في الضلال بكونهم تابعين وأن المسؤولية تقع على من أضلهم , فإن مرجعهم جميعا إلى الله تعالى فيطلعهم على أعمالهم ويحاسبهم عليها , إنه عليم بما تضمره القلوب وتخفيه فكيف بما تظهره ؟
[8] وفي الآية الثانية يبين الله جل وعلا طبيعة الإنسان حينما يتجرد من الإيمان بالله تعالى , وتصبح نفسه مرتعا لشياطين الإنس والجن , فهو في هذه الحال يكون مع الله تعالى إذا أصابه بلاء وشدة وشعر بحاجته إلى ربه فيرجع إليه ويستغيث به لكشف ضره لأنه في هذه الحال تنقشع عنه الحجب التي تحول بينه وبين ربه جل وعلا , فإذا انكشف عنه الضر وتمتع بنعمة الله تعالى عادت إليه الحجب الكثيفة وغلبه هوى النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشياطين فنسي تضرعه إلى الله تعالى في حال الشدة وخضع لعبادة الأوثان سواء في ذلك الأصنام أو طغاة البشر الذين يزينون له طاعتهم في معصية الله جل وعلا , وأصبح في شركه هذا داعيا إلى الانحراف عن سبيل الله القويم, فالله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهذا الكافر : تمتع بكفرك قليلا من الوقت حتى يحين أجلك فإنك من أهل النار المخلدين فيها .
ويقول الله تبارك وتعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر : 9 – 10] .
في الآية الأولى يقارن الله جل وعلا بين ذلك الكافر الذي لايعرف ربه إلا في الشدائد وبين المؤمن العابد لربه الذي يقضي ساعات الليل في القيام لله سبحانه والسجود له , وهو في كل أحواله بين مقامي الخوف من عذاب الله تعالى والرجاء بنعيمه , لافرق في حياته بين حالتي السراء والضراء, فقل يارسول الله لهؤلاء الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر : هل يستوي الذين يعلمون عظمة ربهم والصراط المستقيم الموصل إلى رضوانه وجنته والذين لايعلمون ذلك ؟ لايستوون عند الله , إنما يَعتبر ويتعظ أصحاب العقول السليمة الذين لم ينقادوا لأهوائهم المنحرفة .
[10] وفي الآية الثانية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لعباد الله المؤمنين اتقوا سخط ربكم وعذابه وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه , وقل لهم : للذين أحسنوا إلى أنفسهم في هذه الحياة الدنيا بطاعة ربهم واجتناب معصيته الجزاء الحسن في الآخرة وذلك بالخلود في نعيم الجنة , فاستقيموا على أمور دينكم , وإذا كنتم لاتستطيعون ذلك في بلادكم فهاجروا منها إلى بلاد تتمكنون فيها من إقامة أمور دينكم فإن أرض الله واسعة , واصبروا على مايصيبكم في سبيل الله من مصائب فإنما يعطَى الصابرون ثوابهم في الآخرة كاملا لايَتصور أحد أن يحصيه من كثرته , وفي هذه الآية حث ظاهر على الصبر على أقدار الله المؤلمة , حيث ترتب عليه هذا الثواب الجزيل , والصبر على كمال العقل لأن عدم الصبر لايرفع المصيبة , فالصابر يظفر بالأجر الكبير , والمتضجر يخسر ذلك الأجر ويبوء بالإثم فتجتمع عليه مصيبتان , مصيبة الدنيا ومصيبة الآخرة . |