قال شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية: أما (تفسيرالقرآن بمجرد الرأي) فحرام.
[قال الترمذي]: حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا بشر بن السري، حدثنا
سفيان، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-:
من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار
.
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، أخبرنا أبو عوانة، عن
عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- :
من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار
.
وبه إلى الترمذي قال: حدثنا عبد بن حميد، حدثني حبان بن هلال قال: حدثنا
سهيل بن عبد الله ، وهو ابن أبي حزم أخو حزم القُطَعي ، قال: حدثنا أبو
عمران الجوني عن جندب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
من قال في القرآن برأيه، فأصاب فقد أخطأ
.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم.
وهكذا روى بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم:
أنهم شددوا في أن يفسر القرآن بغير علم، وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة
وغيرهما من أهل العلم، أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في
القرآن وفسروه من غير علم، أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما
قلنا، أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم، فمن قال في القرآن برأيه،
فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس
الأمر، لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على
جهل، فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرما
ممن أخطأ، والله أعلم.
وهكذا سمى الله -تعالى- القذفة كاذبين، فقال:
... فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ
، فالقاذف كاذب، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر، لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، وتكلف ما لا علم له به. والله أعلم.
ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به، كما روى شعبة عن
سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: "أي أرض
تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب ما لم أعلم ؟!".
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله:
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا
، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ منقطع.
وقال أبو عبيد- أيضًا-: حدثنا يزيد عن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ
على المنبر: ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال: "هذه الفاكهة قد عرفناها فما
الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر".
وقال عبد بن حميد: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت
عن أنس قال: كنا عند ابن الخطاب، وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ: (
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ) فقال: "ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما
عليك أن لا تدريه".
وهذا كله محمول على أنهما-رضي الله عنهما- إنما أرادا استكشاف علم كيفية
الأب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل، لقوله -تعالى-:
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا
.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية عن أيوب عن
ابن أبي مليكة، أن ابن عباس سئل عن آية- لو سئل عنها بعضكم لقال فيها-
فأبى إن يقول فيها. إسناده صحيح.
وقال أبو عبيد: حدثنا إسماعمل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن:
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
، فقال له ابن عباس: فما
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: "هما يومان ذكرهما الله
في كتابه، الله أعلم بهما،" فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، يعني ابن إبراهيم، حدثنا ابن علية عن مهدي
بن ميمون عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله
فسأله عن آية من القرآن. فقال: أُحرِّج عليك- إن كنت مسلمًا- لما قمت عني،
أو قال: أن تجالسني.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "إنا لا نقول في القرآن شيئًا".
وقال الليث: عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن.
وقال شعبة عن عمرو بن مرة قال: سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من
القرآن، فقال: "لا تسألني عن القرآن، وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه،
شيء" يعني عكرمة.
وقال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن
الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن،
سكت كأن لم يسمع.
وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عبد
الله بن عمر، قال: "لقد أدركت فقهاء المدينة، وأنهم ليعظمون القول في
التفسير، منهم سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب،
ونافع".
وقال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله قط.
وقال أيوب، وابن عون، وهشام الدستوائي، عن محمد بن سيرين قال: سألت
عبيدة السلماني عن آية من القرآن، فقال: ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل
من القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد.
وقال أبو عبيد: حدثنا معاذ، عن ابن عون، عن عبيد الله بن مسلم بن يسار،
عن أبيه، قال: "إذا حدثت عن الله، فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده".
حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يتقون التفسير، ويهابونه.
وقال شعبة: عن عبد الله بن أبي السفر، قال: قال الشعبي: "والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله".
وقال أبو عبيد: حدثنا هشيم، أنبأنا عمر بن زائدة، عن الشعبي عن مسروق قال: اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله.
فهذه الآثار الصحيحة، وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة عن تحرجهم عن
الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة
وشرعا، فلا حرج عليه؛ ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا
منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموا وسكتوا عما جهلوا، وهذا هو الواجب على كل
أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به- فكذلك- يجب القول فيما سئل عنه
مما يعلمه؛ لقوله -تعالى-:
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ
، ولما جاء في الحديث المروي من طرق:
من سئل عن علم، فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار .
.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان عن أبي
الزناد، قال: قال ابن عباس: "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من
كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا
يعلمه إلا الله". والله -سبحانه وتعالى- أعلم.