لا عودة بعد الآن الى حكومة امر واقع او حكومة حيادية غير سياسية (مروان طحطح)
في وقت ضائع منذ الخميس، وقد يستمر الى منتصف الاسبوع المقبل، سيكون من الصعب توقع تأليف حكومة جديدة ما ان قال افرقاء 8 و14 آذار انهم مستعدون لاستعادة ائتلاف حكومي جرّبوه قبلا، وخرّبوه اكثر من مرة. يحتاج التأليف الى اكثر من نية. بل سيكون في حاجة الى سوء نية
نقولا ناصيف
حجبت الجلسات العلنية للمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في اليومين المنصرمين والمرشحة لأيام اخرى من الاسبوع المقبل، الاهتمام بجهود تأليف الحكومة من غير ان تعيدها خطوة الى الوراء. وأكدت في المقابل ان الفصل الجدي والقاطع بين ما كان يدور في لاهاي والاتصالات المتفاوتة الاهمية في بيروت، على وفرة التناقض الحاد بينهما، لا يجعل هذين الخطين يلتقيان في اي مكان: استمرار اتهام حزب الله او في احسن الاحوال مسؤولين بارزين فيه باغتيال الرئيس الراحل، وتذليل العراقيل من طريق تأليف حكومة تجمع فريقي المتهِم والمتهَم في محكمة لاهاي.
لا يحول ذلك دون احاطة جهود التأليف، حتى اشعار آخر، بمعطيات لا تزال تشكل قواعده الرئيسية:
1 ـ منذ اكثر من 48 ساعة، على ابواب انعقاد المحكمة الدولية، اوصد المفاوضون ابواب الاتصالات الجدية الى منتصف الاسبوع المقبل، تارة انشغالا بالجلسات العلنية وتتبع وقائعها، وطورا لعدم استعداد اي منهم ابانها للخوض في افكار جديدة تستعجل التأليف.
لا يفضي ذلك بالضرورة الى توقعه وشيكا ما ان ترفع الجلسات العلنية للمحكمة. حسابات لاهاي تعني الحق المعنوي والسياسي والشخصي للفريق الباحث عن العدالة في اغتيال الحريري، وحسابات التأليف تعني ارساء موازين قوى داخلية جديدة من داخل السلطة لمرحلة التحضير للاستحقاق الرئاسي كما لاحتمال شغور رئاسة الجمهورية.
2 ـ ثبات معادلة 8 – 8 – 8 التي لم يفصح بعد اي طرف عن يأسه من التمسك بها برغم عدم احراز اي تقدم ملموس فيها، او تنصّله منها للسبب نفسه. سلّم الافرقاء بها قاعدة اولى رئيسية للتأليف وتوقفوا عند هذا الحد. ضرورية لتكريس انضمامهم الى حكومة سياسية كاملة المواصفات يتقاسمون المقاعد مثالثة بين قوى 8 و14 آذار والفريق الثالث (ثلاثة وزراء لكل من الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام ووزيران للنائب وليد جنبلاط). لكنها بالتأكيد غير كافية.
3 ـ لا عودة بعد الآن الى حكومة امر واقع، او حكومة حيادية غير سياسية ما دامت الخيارات اضحت مفتوحة، وان باتت فعليا مستقرة على معادلة 8 – 8 – 8. ليس بين الافرقاء مَن يريد التهديد بالعودة اليها. منذ اكثر من 15 يوماً، لم يأت احد على ذكر الخيارات المقفلة تلك بعدما تشبّث بها «تيار المستقبل» طوال تسعة اشهر حتى 5 كانون الثاني، واضحت حتى ذلك الوقت محور التصلب وتعثر التأليف. بدوره حزب الله يدور في فلك 8 – 8 – 8 متخليا بمرونة عن معادلة 9 – 9 – 6 التي كان يصرّ عليها، ويواجه مع حلفائه ما يجبهه تيّار المستقبل مع حلفائه: موقع مسيحيي هذا الفريق وذاك في معادلة سياسية وحكومية جديدة تتوخى ائتلافا سنّيا ـ شيعيا في مرحلة اقليمية انتقالية متقلبة وخطيرة.
4 ـ يحرص تيّار المستقبل على تطمين الرئيس المكلف تمام سلام الى مساعيه لتذليل التناقض بينه وبين حلفائه المسيحيين في قوى 14 آذار، وتجاوز الخلافات حول الموقف من المشاركة في الحكومة ومضمون البيان الوزاري، قبل الخوض في جوانب اخرى من التأليف مرتبطة بالحقائب وحصص لا تضع الحلفاء ــــ وخصوصا حزبي الكتائب والقوات اللبنانية ــــ على هامش السلطة الاجرائية الجديدة. بين سلام وتيّار المستقبل تجاذب من طراز مختلف ايضا مرتبط بحصة الطائفة في الحقائب السيادية، واخصها وزارة الداخلية التي يريدها كل منهما لنفسه.
5 ـ لم يضع اي من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، حتى الآن على الاقل، الاسود على الابيض في تشكيلة حكومية مرتقبة. وبرغم وفرة تشاورهما الدوري، لم يحمل سلام الى قصر بعبدا مسودة بذلك، ولا الافرقاء المفاوضون في قوى 8 و14 آذار خاضوا في توزّع مداورة الحقائب السيادية والاساسية والعادية حتى عليهم. الامر نفسه في صفوف كل من الفريقين، بل اضحى الرئيسان مقيّدين بجمود لا يريد الآخرون تحريك مياهه بالسرعة التي يتوخيانها.
6 ـ في أسوأ تصوّر محتمل لسوء نيّة يمكن ان يفضي اليه التأليف، انها حكومة تصدر بمراسيم فحسب. لا بيان وزارياً لها، ولا مثول لها امام مجلس النواب لنيل الثقة تحت وطأة انقسام ظاهر بازاء ما يريده كل من قوى 8 و14 آذار من البيان الوزاري. يُخرج تأليفها البلاد من نصف مأزق هو انهاء ازدواجية وجود حكومة مستقيلة تصرّف اعمالا ورئيس مكلف تأليف حكومة جديدة يتعذّر عليه ممارسته صلاحياته الدستورية مع رئيس الجمهورية وانجاز مهمته. الا ان النصف الآخر من المأزق يراوح مكانه كونه يخرج، اذ ذاك، عن الصلاحيات الدستورية للرئيسين على السواء. يتوقف دوراهما عند اصدار مراسيم التأليف كي تمسي المشكلة بعد ذلك عند الاطراف الشركاء في الحكومة الجديدة، ومقدار توافقهم على بيان وزاري يستجيب لشروطهم. يمثل رئيسا الجمهورية والحكومة جزءا من ادارة لعبة الاتفاق والخلاف على البيان الوزاري، الا ان ايا منهما ـ ولا الاثنان معا حتما ـ غير قادر على حسم مضمونه. تتحول الحكومة الجديدة عندئذ حكومة تصريف اعمال تتنكب دور الحكومة المستقيلة الحالية ليس الا.
وتكمن اهمية سوء النيّة هذه ـ وقد تكون الحاجة ملحة اليها ـ انها تفصل بين التأليف من اجل امراره والمهمة المنوطة بالحكومة لاحقا، كما بالادوار التي يفوض بعض اطرافها الى انفسهم اياها في معزل عن السياسة العامة التي ترسمها الحكومة في البيان الوزاري. والمقصود بذلك علاقة حزب الله بالحرب السورية و«اعلان بعبدا» والموقف من سلاحه.
7 ـ لا تزال الاشارات، المباشرة على الاقل، التي يتلقاها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من السعودية ايجابية، وصلت بدورها الى اكثر من مسؤول كبير. لا تمانع الرياض في تأليف حكومة يشترك فيها الافرقاء جميعا ـ بمن فيهم حزب الله ـ بغية تفادي تدهور سياسي وامني على السواء. الا انها لن تبذل جهدا لفرض صيغة كهذه. تترك لهم تدبّر خياراتهم وتوافقهم عليها، وتكتفي بالمراقبة من بعيد، او في احسن الاحوال لا تتورط في التأليف كما في عدم التأليف.
المصدر:http://www.al-akhbar.com/node/198884
الأربعاء يناير 29, 2014 6:57 am من طرف abuahmad