في عهد الإمام أحمد- رحمه الله- وقبله ظهرت فتنة خلق القرآن، وكان يقوم
بها المعتزلة، فيقولون: إن كلام الله -عز وجل- مخلوق من جملة المخلوقات،
وليس وصفًا من أوصاف الله -عز وجل- فهو غير قائم بالله، بل هو مخلوق منفصل
عن الله، فلا يفرقون بين السماء وبين كلام الله؛ فالكل- كما يقولون- مخلوق،
وكذلك الأنعام والمطر، فالكل منزل.
ولا شك أنه يلزم على قولهم لوازم باطلة، فيلزم أن يصح قول من يقول: كلام
الناس هو كلام الله، لأن كلام الناس مخلوق. ويلزم على ذلك إبطال التقسيم في
قوله -تعالى-:
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ
.
فإن الأمر إنما يكون عن طريق الكلام، فإذا صار الكلام مخلوقًا فالكل
مخلوق، وليس هناك خلق وأمر، بل وليس هناك إلا خلق. ويؤدي كذلك إلى إبطال
دلالة القرآن الكريم، وله لوازم كثيرة ذكرها أهل العلم في الكتب المطولة.
وقد امتحن الإمام أحمد- رحمه الله- وغيره من أهل العلم؛ لأن المأمون وكان
خليفة المسلمين تزعم قيادة هذا القول ودعا الناس إليه، وكما هو معلوم إذا
التزم الحاكم شيئًا، يصعب على الناس الخروج عنه، فلم يصبر على مخالفة هذا
إلا أفذاذ قليلون من الرجال، وكان هو الذي صمد صمودًا تامًا كاملا- رحمه
الله- ولهذا انصب عليه العذاب والحبس، واشتهر بهذا - رحمه الله- وحمى الله
به عقيدة أهل السنة من القول بخلق القرآن، فبقي الناس -والحمد الله-
يقولون: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.