أسباب النـزول > القول في أول ما نزل من القرآن
القول في أول ما نـزل من القرآن أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا عبد الله بن
حامد الأصفهاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال:
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب
الزهري قال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أول ما
بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم
فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حُبِّب إليه الخلاء فكان يأتي
حِراء فيتحنَّث فيه - وهو التعبُّد - الليالي ذوات العدد ويتزوّد لذلك ثم
يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك
فقال: "اقرأ" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقلت: ما أنا بقارئ"
قال: "فأخذني فغَطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ: فقلت: ما
أنا بقارئ فأخذني فغطني
الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ: فقلت: ما أنا بقارئ
فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
حتى بلغ
مَا لَمْ يَعْلَمْ
فرجع بها ترجُفُ بَوادِره حتى دخل على
خديجة، فقال: "زمِّلوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: "يا خديجة
ما لي؟" وأخبرها الخبر، وقال: "قد خشيت عليّ" فقالت له: "كلا أبشر، فوالله
لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل،
وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" رواه البخاري عن يحيى بن بكير،
ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين الطبري
قال: أخبرنا جدي حدثنا أبو حامد أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا
عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن إسحاق، عن
الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: إن أول ما نـزل من القرآن
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي بكر
الصبغي عن بشر بن موسى عن الحميدي عن سفيان.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا أبو الحسين
علي بن محمد الجرجاني قال: حدثنا نصر بن محمد الحافظ قال: أخبرنا
محمد بن مخلد أن محمد بن إسحاق حدثهم قال: حدثنا يعقوب الدورقي
قال: حدثنا أحمد بن نصر بن زياد قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال:
حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن قالا أول ما
نـزل من القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فهو أول ما نـزل من القرآن
بمكة وأول سورة
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن
الفضل التاجر قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا
محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل
عن ابن شهاب قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي أنه سمع
بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنـزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
قالوا: هذا صدرها الذي أنـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء، ثم أنـزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله.
فأما الحديث الصحيح الذي روي: "أن أول ما نـزل سورة المدثر" فهو
ما أخبرناه الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي قال: حدثنا عبد الله بن حامد قال:
حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد التنيسي، قال:
حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال:
سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنـزل قبل؟ قال:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قلت: أوِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
قال: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري: أي
القرآن أنـزل قبل؟ قال:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قال قلت: أوِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
قال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " إني جاورت بحراء شهرًا فلما قضيت جواري نـزلت فاستبطنت
بطن الوادي، فنوديت
فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو
على العرش في الهواء - يعني جبريل - فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم
فدثروني ثم صبوا عليّ الماء فأنـزل الله عليّ
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ
رواه مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي.
وهذا ليس بمخالف لما ذكرناه أولا وذلك أن جابرًا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
هذه القصة الأخيرة ولم يسمع أولها فتوهم أن سورة المدثر أول ما نـزل وليس كذلك، ولكنها أول ما نـزل عليه بعد سورة
(اقْرَأْ).
والذي يدل على هذا ما أخبرنا أبو عبد الرحمن ابن أبي حامد قال:
حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن
عبد الرحمن الدَّغُولي حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قـال:
حدثنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه:
"فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني
بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه رعبًا فرجعت فقلت:
زملوني زملوني، فدثروني فأنـزل الله
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
. رواه البخاري عن عبد الله بن محمد. ورواه مسلم عن محمد بن رافع، كلاهما عن
عبد الرزاق، وبان بهذا الحديث أن الوحي كان قد فتر بعد نـزول
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
.
ثم نـزل
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
والذي يوضح ما قلنا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاء بحراء جالس فدل على أن هذه القصة إنما كانت بعد نـزول
(اقْرَأْ).
أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو الحسين
علي بن محمد المقري قـال: حدثنا أبو الشيخ قال: حدثنا أحمد بن
سليمان بن أيوب قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: حدثنا
علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: سمعت عليّ بن الحسين
يقول: أول سورة نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكـة:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
وآخر سورة نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: المؤمنون، ويقال: العنكبوت؛ وأول سورة نـزلت بالمدينة:
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ
وآخر سورة نـزلت في المدينة:
بَرَاءَةٌ
وأول سورة علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة:
وَالنَّجْمِ
؛ وأشدَّ آية على أهل النار
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا
وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ
الآية. وآخر آية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها تسع ليال.