في الثالث من شهر محرم لعام 1432 وصلني سؤال على بريدي
من فتاة تدعى (أفنان وليد)
هل من الممكن أن نقرأ القرآن الكريم ؛ كما كان يقرؤه رسولنا عليه الصلاة والسلام؟)
أغرقت الدموع عيناي .. لم أستطع أن أنتقل لرسالة أخرى
(أظن أن وصولنا لتلك المرحلة
بأن نقرأه كما يقرأه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
سيكون كفيلا بأن يحل مشاكل العالم )
مضت الأيام وسؤال أفنان يشغل تفكيري .. لم يفارقني سؤالها أبدا
وبقيت أفكر في إجابة وافية .. فلم أجد
وبعد أربعة أشهر وتحديدا في الأول من شهر جمادى الأولى
(سؤالك مازال يعصف بي ..بحق لا أجد ما أجيب به )
غابت أفنان ثلاث أيام ثم أتى ردها :
طرحت هذا السؤال على أستاذتي مها الجريس
لا أعتقد أن من أوحي إليه كمن لم يوحى إليه!)
كانت إجابة مسددة من الحبيبة مها
لكنها لم تكن تلك الإجابة التي أبحث عنها
كنت أبحث عن قاعدة أسير عليها وليس إجابة مقنعة فحسب
و(أ.مها الجريس) لمن لا يعرفها ..
هي امرأة فاضلة لها جهود مباركة تستحق المتابعة
(صَدَقَت أ.مها ..لكن السؤال عميق ..
الأمر أعمق من ذلك يا أفنان, أعمق من ذلك بكثير)
أي بعد تسعة أشهر من البحث
كنت منشغلة باستخراج المسائل الدقيقة من قوله تعالى :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)
لم أكن أعرف أن هذه الآية ستحل اللغز
لقد كانت إجابة سؤال أفنان في كلمة واحدة من تلك الآية :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)
لا أدري إذا سأستطيع أن أوصل لكم الإجابة البديعة الذي عثرت عليهاأم لا ؟!
يقول (القرطبي) في (الجامع لأحكام القرآن) :
(وأصل التلاوة الاتباع، ولذلك استعمل في القراءة
لأنه يتبع بعض الكلام ببعض في حروفه حتى يأتي على نسقه:
حديث القرطبي جعلني أتساءل:
هل هناك فرق بين (التلاوة) و (القراءة) ؟
ووجدت أن العلماء يفرقون بينهما فيقولون :
( القراءة أعم من التلاوة .. وليست كل قراءة تلاوة..
والتلاوة خاصة بالقرآن الكريم مع الإتباع)
(ما يحدث أننا نكتفي بالقراءة المجردة .. ونغفل التلاوة التي تتضمن الإتباع)
سنبحث عن تفصيل معنى التلاوة التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم
في الآية 27 من سورة الكهف
يقول الله تعالى :(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ)
حسنا الله سبحانه لم يقل ( وأقرأ) فقط، بل (وأتل)
يقول السعدي في تيسير الكريم الرحمن:
(والأمر في قوله: {واتل} شامل للتلاوة بمعنى القراءة. والتلو: بمعنى الإتباع. )
(شامل للتلاوة بمعنى القراءة. والتلو: بمعنى الإتباع.)
إدراكنا لحقيقة التلاوة المأمور بها للقرآن
والتي تشمل (القراءة) و(الإتباع)
تجعلنا نفهم سر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر :
( أوصيك بتقوى الله تعالى ؛ فإنه رأس الأمر كله، وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ؛ فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض ) – حسن –
قال المناوي شارحا هذا الحديث في كتابه (فيض القدير) :
أي أن : ( أهل السماء وهم الملائكة يثنون عليك فيما بينهم ؛ لسبب لزومك لتلاوته)
هل قراءتك للقرآن تستحق أن يثني عليك أهل السماء؟
لنجعل السؤال أكثر دقة .. فبدلا من أن نتساءل:
(هل من الممكن أن نقرأ القرآن الكريم كما كان يقرؤه رسولنا عليه الصلاة والسلام؟)
(هل من الممكن أن نتلوا القرآن الكريم كما كان يتلوه رسولنا عليه الصلاة والسلام؟)
الإجابة بإيجاز في الآية 30 من سورة فاطر:
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَ أَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ)
ed]يتبعونه في أوامره فيمتثلونها، وفي نواهيه فيتركونها، وفي أخباره، فيصدقونها ويعتقدونها، ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال،
ويتلون أيضا ألفاظه، بدراسته، ومعانيه، بتتبعها واستخراجها.)
فسنجد أن الله جل في علاه أمر بالتلاوة بمعناها العام : (القراءة والإتباع)
ثم خصص أحدهما وهو( الإتباع) في ذكره للصلاة و الصدقة التي جاء بها القرآن
يقول السعدي في تتمته لتفسير الآية :( ثم خص من التلاوة بعد ما عم)
كما كان يتلوه النبي محمد صلى الله عليه وسلم
فنحن نحتاج إلى تحقيق ركني التلاوة :
ركن تنظيري (قراءة الألفاظ )
(التلاوة بمعناها القرآني الذي فهمته من القرآن:
أن أقرأ وافهم وأتدبر وأستنبط من القرآن العظيم)
( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)
(يتبعونه في أوامره فيمتثلونها،
وفي أخباره، فيصدقونها ويعتقدونها،
ولا يقدمون عليه ما خالفه من الأقوال)
وربط القرطبي بين الركنيين بعبارة جاااامعة
( بفهم المعاني يكون الإتباع لمن وفق)
اللهم إننا نسألك أن نتلوه حق تلاوته
اللهم إننا نسألك أن نتلوه حق تلاوته
اللهم إننا نسألك أن نتلوه حق تلاوته
|