تحولت قضية قيادة المرأة للسيارة في السعودية إلى جدل شعبي ساخن يتوقع
أن يزداد أكثر مع قرب موعد 17 يونيو/حزيران، وهو الموعد الذي حددته ناشطات
حقوقيات للظهور علناً وهن يقدن سياراتهن في تحدّ لقانون المنع الاجتماعي.
وتحول الموضوع لجدل ساخن عبر موقع التواصل الاجتماعي "facebook" الذي عجّ
بعشرات الصفحات المؤيدة للتحرك النسائي والمعارضة لها، وهو ما جذب الآلاف
من المؤيدين والمعارضين، فيما تحولت الحقوقية منال الشريف (32 عاماً) التي
أطلقت الحملة مع عدد من النساء لرمز بين مرتادي الموقع، وتم تدشين عشرات
الصفحات المؤيدة لها وأيضاً المعارضة لها.
ومن أبرز حملات التأييد (صفحة كلنا مع منال) التي اجتذبت حتى الآن أكثر من
11377 عضواً وأيضاً صفحة (يوم 17 يونيو - سأقود سيارتي بنفسي) التي انضم
لها 2678 عضواً، وتقول مؤسسة الصفحة في تعريفها: "أسست هذه الصفحة لكي تكون
التجمع لمؤيدي قيادة المرأة للسيارة في السعودية، نتمنى التزام الأدب في
الحوار سواء من المؤيدين والمعارضين والمحايدين".
وتضيف: "نحن لا ننادي بالحرية ولا ننادي بالعلمانية ولا ننادي باسم التطور،
إنما ننادي بإعطاء كل ذي حق حقه والتفكير بعقلانية فقط.. إذا بها خير
فلتكن وإذا لم يكن بها خير فنحن ضد قيادة المرأة".
وفي المقابل، أنشئت صفحت تطالب بالرد بعنف على تلك الحملة أبرزها صفحة
(حملة العقال يوم 17يونيو لعدم قيادة المرأة) وتطالب بعدم قيادة المرأة
للسيارة بكل قوة.
وتجتذب الصفحة 2888 عضواً.. بيد أنه في المقابل برزت صفحة مضادة لها تحت
اسم (حملة بالجزمة على من يمد عقالة يوم 17 يونيو)، واجتذبت 1800 عضو..
وتعرف نفسها بأنها: "رد على الصفحة الشاذة المحرضة للعنف ضد قيادة المرأة..
وهدفها حماية المجتمع من استخدام الدين لأهواء النفس وتحريم ما لم يحرمه
الله".. وجاء سبب إنشاء هذه الصفحة حسب القائمين عليها كردة فعل ضد من
أطلقوا حملة للضرب بالعقال لمن تطالب بالقيادة.
وقالت الشريف في تسجيل لها بثته على صفحتها في facebook إن تاريخ 17 يونيو
هو تاريخ عشوائي وغير مرتب له.. وأضافت عن الحملة: "هي مبادرة وليست مظاهرة
ولا اعتصاماً ولا تجمعاً، كل من لديها رخصة قيادة سارية المفعول تستخدمها
لتسيير أمورها المهمة، وأن تلتزم بقواعد المرور وأن يكون معك أحد من أهلها
أو صديقاتها كي تكسر باب التردد".
ولكن بعد أن قادت سيارتها لبعض ساعات في الخبر (شرق السعودية) ألقت إدارة
التحريات والبحث الجنائي ألقت القبض على منال وإيداعها سجن النساء التابع
لإصلاحية الدمام بعد صدور أمر قضائي بإيقافها خمسة أيام لقيامها بتجاوز
الأنظمة والتعليمات وقيادتها السيارة والتجوُّل بها على مستوى المحافظة،
وتمكين إحدى الصحافيات من إجراء مقابلة معها أثناء قيادتها السيارة،
وتعمدها نشر التسجيل إعلامياً، وتحريض النساء السعوديات على قيادة السيارة،
وتأليب الرأي العام ضد الأنظمة.
خطر السائقين وتؤكد الناشطة
الحقوقية والاقتصادية ريم أسعد أن هذا الجدل القائم حالياً غير منطقي،
وتؤكد أحقية النساء في التحرك بحرية بعيداً عن نظرة الشك التي تعتبرها
مفسدة.. وتقول لـ"العربية.نت": "القيادة حق للمرأة وأعتقد أنه شيء مخجل أن
أستطيع شراء سيارة ولا أستطيع قيادتها بنفسي.. وأن شريحة من المجتمع تأخذ
لنفسها الوصاية على غيرها".
وتتابع: "من رأيي أن من يريد منع عائلته من القيادة فهذا شأنه، ولكن لا يستطيع أن يفرض هذا الأمر على شعب بأكمله".
وفي وقت نفت فيه أسعد مشاركتها في الحملة يوم 17 يونيو تؤكد أن الخطوة
مثيرة للإعجاب وتقول: "لن أشارك فعلياً في الحملة ولكني أدعو لهم
بالتوفيق.. فمن قررت الخوض فيها وضعت نفسها في مخاطرة ولكنها تثير
الإعجاب.. وحتى لو لم ينجح"..
وتضيف: "ندعو ولاة الأمر للاستماع لشكوانا والنظر في أوضاعنا المتردية..
فالاستقدام أصبح مكلفاً وصعباً، وتم إيقاف الاستقدام من الفلبين ودول أخرى،
ولهذا الأمور من سيئ إلى أسوأ".
كرامة المرأة وتستغرب
الخبيرة الاقتصادية إجبار المرأة السعودية على أن تكون تحت رحمة رجل غريب
عنها بحجة أنه السائق، وتضيف: "نحن في اقتصاد القرن الواحد والعشرين ولا
يستطيع زوجي فيه أن يترك أعماله ويوصلني أنا وأولادي للمدرسة، وتصعب
المسألة عندما لا يكون لديّ زوج أو رجل فعندها سأضطر للتعاقد مع رجل غريب
ليوصلني لعملي، ولا أعلم أين سيذهب بي وندخل في دوامة مشاكل لا تنتهي".
وتتابع: "ما يغضبني أن كل هذه المخاطر التي تتعرض لها المرأة عند الركوب مع
السائق الغريب لا تؤخذ في الاعتبار ولكن مجرد أن أحد ربما يعاكسها وهي
تقود سيارتها يأخذ كل ما في الاعتبار .. ونسمع أسطوانة الإفساد والفساد..
دائماً ما يأتي الشك للمرأة أنها مصدر فساد وإفساد، ولكن عندما يضعونها مع
رجل خلف المقود فلا شيء عندهم على ذلك مع أنه قد يخطفها أو يفعل أي شيء دون
أن يعرف أحد فكيف لا ينظر لكل هذا الأمر.. وفوق ذلك فالمرأة تدفع الكثير
له من مالها هي ولكن لا ينظر للمخاطر والخسائر المادية الناتجة عن ذلك
وينظر فقط لأفساد المرأة وأنه ستصبح فتنة في الأرض وفساد كبير وهذا لا
يوجد.. فبمدأ الشك لا يمكن أن يستقيم".
وتشدد على رفضها لمبدأ الشك في سلوك المرأة وتقول: "لا يمكن أن تستقيم دولة
باقتصادها وبنيانها ومجتمعها على مبدأ الشك.. كيف يطلب من المرأة ان تكون
فاعلة في الاقتصاد وعاملة وهي معطلة ومشلولة لا تستطيع التنقل بحرية وأن
تعتمد على غيرها". وتتابع: "كيف يطلب مني كامرأة أن أحرك الاقتصاد كمستهكلة
وأن أتصارع مع السائقين كي أذهب لشراء مستلزمات الأسرة أو أن أدفع 70 أو
80 ريالاً للمشوار الواحد أو أن أتحمل سوء أدب السائق وسيارته القذرة معي
لأن لا حل لي آخر سواه لماذا يضعني النظام في هذا الموقف الصعب.. لا يمكن
أن يستقيم الاقتصاد وعصبه مشلول".
وترفض أسعد المقولات التي تؤكد أن النظام لا يمنع قيادة النساء.. وتؤكد:
"النظام يمنعه كلياً.. عندما قبضوا على منال الشريف استدعوا بها الهيئة..
وكأنها مجرمة أخلاقياً".
المرور هو الفيصل وفي ظل غياب
نصّ واضح محدد وصريح في نظام المرور يمنع النساء من قيادة السيارات يعتبر
المحامي جاسم العطية أن صمت النظام عن ذلك يعني السماح به ويقول
لـ"العربية.نت": "الضابط الوحيد للقيادة عموماً في السعودية هو نظام
المرور.. فهو من يحدد من يحق له القيادة ومن لا يحق له.. وهي تكون برخصة
قيادة صالحة للعمل بها في السعودية، فإذا كانت الرخصة دولية صالحة
للاستخدام فيمكن أن تقود بها".
ويشدد على أن غياب النص الواضح بالمنع يعني ضمنياً الموافقة عليه، ويضيف:
"لا نعرف ماذا سيحدث في 17 يونيو وهل سيقدن فعلاً أم لا ولكن في كل الحالات
سيكون الضابط نظام المرور سواء للرجل أو المرأة، وإذا لم يكن هناك لا سماح
ولا منع، فالأصل السماح لأنه إذا لم يكن هناك نصّ يمنع المرأة من قيادة
السيارة فهذا يعني أنه مسموح به".
ويرفض العطية الحديث عن قانونية وضع منال الشريف لعدم وضوح أسباب القبض
عليها، ويقول: "لا نعرف تحديداً على أي أساس تم التعامل فيه مع منال
الشريف.. ولكن الهيئة هي جهة غير مختصة في هذا الشأن، ولكن لو أن منال رأت
أن الإجراء الذي استخدم ضدها غير قانوني فيحق لها أن ترفع قضية على الشرطة
غير أننا نرى نصف الصورة ولا نراها كاملة ولا نعرف على أي أساس تعاملوا
معها.. ربما يكون هناك سبب آخر، ولكن لو كان الأمر بسبب القيادة فالشرطة
ليست صاحبة الاختصاص في هذا الشأن بل المرور".
فتوى قديمة وعلى الرغم من
عدم وجود نص صريح في نظام المرور السعودي يمنع النساء من قيادة السيارات،
يتمسك الرافضون لهذا الأمر بنص فتوى أصدرها الشيخ عبدالعزيز بن باز قبل 21
عاماً ومعه عدد من هيئة كبار العلماء قالوا فيها: "بعدم جواز قيادة النساء
للسيارات ووجوب معاقبة من تقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها
الزجر والمحافظة على الحرام ومنع بوادر الشر لما ورد من أدلة شرعية توجب
منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن، ونظراً الى أن قيادة المرأة
للسيارة تتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي
الغيور على محارمه".