من ثمرات التربية الجادة
إن التربية الجادة شجرةٌ مباركة لابد أن تؤتي ثماراً يانعة لعل من أهمها:
1- تحقيق العبودية لله:
إن الهدف الأسمى والأعلى للتربية الجادة هو
إعداد النشء والرقي به لتحقيق الغاية الأساس من خلقه، ألا وهي عبودية الله
سبحانه وتعالى والخلافة في الأرض، والعبودية معنى واسع يظلل برواقه جوانب
الحياة المختلفة والمتعددة، وهي مراتب ومنازل متفاوتة، فكل جهد يقوم به
المسلم في هذه الحياة من شعيرة من شعائر التعبد، أو تعلم علم أو تعليمه أو
دعوة أو نفع للناس أو خدمة للأمة، إنما هو داخل هذه الدائرة، فهي كما قال
شيخ الإسلام: "اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة
والباطنة".
إن العبودية لله تتضمن فعل أوامر قد تكون شاقة على النفس،
وترك نواه قد تميل إليها النفس وتشتهيها، وكل ذلك يعسر القيام به على غير
الجادين.
إذاً فالتربية الجادة تهيئ المسلم ليقوم بهذا العمل وهذه
المهمة وليحقق الغاية التي من أجلها خلق وأوجد في هذه الحياة، وما يأتي بعد
هذه الثمرة فلا يزيد على أن يكون فرعاً لهذه الثمرة الأساس.
2- العمل المستمر المثمر:
قد تجد كثيراً ممن يملك الاستعداد أن يعمل
أعمالاً مثمرة ومضنية، لكنها جهود متقطعة، أما من يستمر على العمل ويدعو من
خلال برنامج واضح المعالم والخطى فهم قليلٌ جداً، إن المتربي تربية جادة
يدرك أن الدعوة قضية مصيرية، ويدرك أنها تستحق منه أن يرسم حياته على
ضوئها، وأن تكون له خطا واضحة بعيدة، أما الأول فقد تدفعه حماسة فائرة أو
انطلاقة لنفسه يوشك أن تخبو بعد ذلك وتزول.
وإن ضخامة الدور واتساع نطاقه الزمني يتطلب عدداً من أولئك الذين يديمون العمل، ويدركون أن أحبه إلى الله "أدومه وإن قلَّ".
وتستطيع
من خلال خطبة أو محاضرة أو درس أن تؤجج عاطفة جمع غفير فيعملون أعمالاً
وينتجون نتاجاً هائلاً، لكن أن تنتج واحداً يعمل على الدوام وعلى كافة
الأحوال، فلا أظنك تملك بديلاً غير التربية الجادة.
ولهذا أخبر النبي
صلى الله عليه وسلّم أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل فقال: "سددوا
وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال إلى الله
أدومها وإن قل". [رواه البخاري 6464].
وحين سئل صلى الله عليه وسلّم: "أي الأعمال أحب إلى الله؟! قال: أدومها وإن قل".
وقال: "اكلفوا من الأعمال ما تطيقون". [رواه البخاري 6465، ومسلم 782].
والنص
أوسع من أن يكون قاصراً على أبواب الذكر والصلاة والصيام - وإن كانت أولى
ما يدخل فيه - بل كل عمل يتقرب به العبد إلى الله فأحبه إليه أدومه وإن قل.
3- الجدية في التعامل مع الأوقات:
كثيراً ما نعاني من الإهدار
الهائل للأوقات دون ثمرة، ويقع ذلك ممن يدرك قيمة الوقت ولا تخفى عليه بحال
فضلاً عمن لا يدركها، وليس ثمة أقوى دافعٍ لتنظيم الوقت ورعايته من الشعور
بجدية الهدف وسموه، فالنفس تعصف بها ريح الكسل والتسويف وحب الراحة، ولا
يوقف هدير هذه العواصف العاتية إلا الجاد مع نفسه والحازم، ولعل مقارنة
عاجلة بين صنفين من الناس: أحدهما عامل منتج، والآخر مهمل كثير الاعتذار،
تريك الفرق الهائل والبون الشاسع في التعامل مع الوقت، ومن ثم القدرة على
توفيره.
ولا نزال نسمع من الجميع والصغير والكبير الشكوى من ضيق الوقت
وازدحام المشاغل، وهي شكوى تعكس عدم جدية أصحابها في تعاملهم مع أوقاتهم
وعدم عنايتهم بها.
4- الجدية في الاهتمامات:
الرجل الجاد صاحب اهتمامات عالية، ونظرات
طموحة تتجاوز الكثير مما يشغل الناس من اهتمامات فارغة تنم عن سطحية
وسذاجة، ولعل موقف الرجل الجاد من المظاهر والإيغال فيها والعناية بها
نتيجة من نتاج الجدية، فهو يتساءل أمام كل خطوة: ما النتيجة؟! وما الثمرة؟!
ومن ثم يتحكم هذا التساؤل في محتوى ما يقدم وما يعمل.
إن هناك من ينفق
جهداً ووقتاً ومالاً على مظاهر لا تقدم ولا تؤخر، بل لعلها قد تصنع بعض
الغبش والضبابية - لدى بعض الشباب - حول الأهداف الحقيقية للعمل، أما إذا
تجاوز العناية بالمظاهر ورعايتها الأحوال الفردية لتتسم بها الأنشطة
الإسلامية فهذا مما لا يقبل بحال، وهذا المسلك مهما كانت مبرراته لابد أن
يؤثر مع مرور الزمن تأثيراً سلبياً لا يرضاه الجميع؛ فيطغى على جدية الهدف،
أو يأخذ وقتاً وجهداً وهمَّاً في غير ما طائل.
وحين نلقي نظرة فاحصة على الاهتمامات التي تسيطر على قطاع من جيل الصحوة، ندرك أننا بحاجة إلى إعادة النظر في اهتماماتنا.
والاهتمامات أبعد من أن تكون أمراً يتكلف، فهي لا تعدو أن تكون انعكاساً لشخصية صاحبها ومدى جديته.
5- التفكير العملي الجاد:
قد تجد من يحمل الهم الجاد، لكنه هم يختلج
في النفس، وبالتربية الجادة يتجاوز ذلك ببرنامج عمل، أو اقتراح بناء، أو
مشورة ثاقبة، أو عزيمة نافذة، أو ثبات على مبدأ.
ولا تزال النفوس الجادة
المدركة لسمو الهدف وعظم الواجب تحوِّل الخواطر إلى فكرة مدروسة ورأي عملي
منتج، وترفض أن تعطي وكالة للغير بالتفكير نيابة عنها، أو أن يكون دورها
مجرد استيرادٍ للأفكار الجاهزة، ولعل تلك الفكرة التي طرحها أحد أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلّم بحفر الخندق أو جمع المصاحف، تمثل شاهداً على
التفكير العملي الجاد الذي يشعر صاحبه بضرورة المشاركة.
إن التفكير لا
يكلف صاحبه وقتاً ولا جهداً، ولا تقارن ثمراته ونتائجه مع ما يبذله صاحبه
من جهد ذهني، ومن هنا فإن أصحاب الهمم العالية الجادة لا يمكن أن يبخلوا
على دعوتهم ومبدئهم باستثمار أوقات يضيعها غيرهم، باستثمارها بالتفكير الذي
يكون نواة للعمل المثمر.
والتفكير الجاد الذي نطمح من جيل الصحوة أن
يصل إليه لا يقف عند حد طرح فكرة جامدة أو ميتة، بل هو دراسة متأنية
ومقترحاتٌ للتطبيق وبدائل وتوقعٌ للمشكلات وحلولها، مما يدفع من تُقدَّمُ
له الفكرة إلى الشعور بجديتها وتأهلها للاعتبار والتنفيذ.
6- الاقتصاد في المزاح والهزل:
الإفراط في المزاح والتجاوز في الهزل مظهر يدل على انخفاض مستوى الجدية.
إن
الرجل الجاد قد يهزل ويضحك، لكن ثمة خيطٌ يشده إلى حياة الجد ويأبى عليه
التجاوز والتمادي، فالمزاح لديه مما يأتي عارضاً لا يستحق لدى صاحبه أن
يوفر له لقاءات ويضيع من أجله أوقاتاً، فضلاً عن أن يسعى إليه ويستهدفه وهو
يرى نصب عينيه قول الحق تبارك وتعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ
عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ
فَاسِقُونَ). [الحديد: 16].
وقوله صلى الله عليه وسلّم: "لا تكثروا
الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب". [رواه الترمذي 2305 وابن ماجه 4193.
وقال في الزوائد: "إسناده صحيح، رجاله ثقات". وانظر السلسة الصحيحة 506].
ولعل نظرة عاجلة إلى بعض المناشط الإسلامية تطرح تساؤلاً على الرجل الجاد:
هل يسوغ أن تأخذ البرامج الفكاهية أو الألعاب ضمن برامج الناشئة هذا الوقت الذي تأخذه؟!.
وحين
يصعد المسرح شابٌ مستقيم اختط العلم طريقاً له، وهدفه الأول الذي يسعى
إليه ويقيِّمُه الجمهور على أساسه هو إضحاك المشاهدين، وقد بذل جهداً
وفكراً في ذلك، وأخذ جزءاً من وقته في الإعداد والتدريب، وربما صار عمله
إبداعاً يحفل به ويثنى عليه -حين يحصل ذلك فهو داءٌ ينخر فيما يملكه من
جدية، ويؤخره عنها مراحل.
وأحسب أن هذه صورة تخالف ما نقل عنه صلى الله عليه وسلّم من مزاح ودعابة يأتي عرضاً، ولا يسعى إليه أو يحفل به ويقصد.
وعلى
من يرفض الاعتراض على هذه الصورة أن يأتي بشاهد واحد من سيرته صلى الله
عليه وسلّم أخذ فيه الضحك وقتاً للإعداد والتدريب والعناية.
7- تحمل البرامج الجادة:
إن هناك برامج ضرورية في بناء الشخص وإعداده وتأهيله، وهناك ارتباط طردي بين جدية هذه البرامج وعمق آثارها التربوية.
فطلب
العلم الشرعي - مثلاً - مطلبٌ ضروري وملح لبناء الشباب، ولن نزال نقول
بأعلى صوتنا إنه لابد وأن يقضي الشباب جزءاً من وقتهم في تحصيل العلم،
ولابد أن تصاغ البرامج التربوية صياغة تخرج جيلاً يجعل الأساس والأهم من
اهتماماته هو التحصيل العلمي.
إن التحصيل العلمي يتطلب نفساً جادة
طموحه، تتحمل مشاقّ التعلم وتعب التحصيل ومعاناة الطلب، فحين يرسم برنامجٌ
علميٌ طموحٌ للشاب فهل يستطيع احتماله حين يكون ذا تربية هزيلة؟! أليس من
حقنا بعد ذلك القول بأن التربية الجادة ضرورة ملحة، وأنه لن يتحمل الشاب
البرامج الطموحة إلا حين يتربى التربية الجادة.
وقل مثل ذلك في سائر التكاليف والبرامج الضرورية لبناء الشخصية المسلمة، والتي لا تحتملها إلا نفسٌ جادة.
8- تحمل المسئوليات:
تتطلب الدعوة إلى الله تعالى رجالاً من صنف خاص،
يأخذون على عاتقهم مسئوليات وأمانة ثقيلة، كيف لا وهي أمانة حمل الدين
وتبليغ الرسالة، وما كان لهذه الأمانة وما ينشأ عنها من تبعات ومسئوليات أن
يتحملها إلا الأشداء من الرجال، الذين تربوا على الجدية والبذل والتضحية.
والتربية
الجادة هي التي تنتج ذاك النوع من الناس الذي وصفه صلى الله عليه وسلّم
بأنه آخذ بعنان فرسه في سبيل الله عز وجل، إن كان في الساقة كان في الساقة،
وإن كان في الحراسة كان في الحراسة. [رواه البخاري 2887].
أو من وصفه
صلى الله عليه وسلّم بقوله: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في
سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه، يبتغي
القتل أو الموت مظانه". [رواه مسلم 1889].
وبقوله: "سيد الشهداء: حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".
والتربية
الجادة هي التي بإذن الله تخرِّج الطائفة الموعودة، المنصورة إلى قيام
الساعة: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا
من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون".
إن التربية الجادة هي القادرة بإذن الله على تخريج هذا الصنف الفريد من الناس أفراداً أو جماعات.
9- النقد الجاد العملي:
النقد ضرورة فطرية ومطلب شرعي تربوي، ولابد
أن يوجد النقد فإن لم يكن بنَّاءً فهو هادم، وإن لم يكن جاداً فهو هازل،
والمحصلة النهائية أن النقد لابد له من مساهمة إما في دفع عجلة الدعوة
وتصحيح مسيرتها، أو في التعويق والتثبيط والتآكل الداخلي.
وإن من نتاج التربية الجادة أن يتربى الشاب على أن يكون جاداً في انتقاده، والنقد الجاد هو الذي يكون:
أ- موضوعياً وواقعياً، يأخذ في الحسبان الضعف والقصور البشري، ولا يحلق فيه صاحبه في المثاليات ويطلب من الناس العصمة.
ب- وسائراً في المسالك السليمة والطرق الصحيحة، موجهاً لمن يعنيه.
ج- عن علم وعدل، بعيداً عن التسرع والظنون وظلم الناس وبخسهم.
د- وهو الذي يشفع ببرامج للإصلاح، ومقترحات للتصحيح، مع استعداد تام للمشاركة والمساهمة العملية، فمجرد الانتقاد يجيده الجميع.
وهذا يعني بالضرورة أن الشاب الجاد:
1-
لا يحتفل كثيراً بتلك الصور البئيسة من النقد المعوق، فهو يرفض أن تلاك
الأعراض وتقوم الجهود في مجالس الفارغين ولقاءات البطالين باسم النقد
والنصيحة، وكم هي كثيرة تلك المجالس التي تقدم فيها أوراق عمل عابثة يظن
أصحابها أنهم يحسنون صنعاً في تسليط كل لسان بالنقد والجرح والتعديل إلا
على أنفسهم ومن يوالون. [وهو مع ذلك قد ينتفع بهذا النقد والحق يقبل ممن
جاء به أياً كان، لكن ذلك لا يرفع مثل هذه الصور الشاذة من النقد إلى مستوى
النقد الجاد].
2- وهو لا يحتفل كثيراً بالنقد الصادر من الشخص المحترف
له، والذي حين تنظر لسلوكه وعمله لا تجد فيه ما يسرك، فهو لا يقدم خطوة،
ولا تلمس عليه مسحة من عملٍ أو مساهمة، وثمة عددٌ من هؤلاء في الصفوف لا
حديث لهم إلا ذلك.
3- وهو لا يحتفل كثيراً بالنقد المثالي الذي يطلب من الناس أن يكونوا في درجة العصمة، ويحاسب على كل صغيرة وكبيرة.
4-
وهو أيضاً لا يحتفل كثيراً بالنقد الذي يسلك فيه صاحبه تتبع العورات،
ويرصد الأنفاس واللفظات ليعثر من خلال ذلك كله على خطأ أو هفوة.
إن جدية
المرء كفيلة بضبط ميزان النقد حتى لا يطغى ويتجاوز، فيساهم في بعثرة
الصفوف وخلط الأوراق، أو يضمر ويتخلف دوره فيساهم في وأد كل فكرة سليمة،
واستعباد عقول الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
10 - المبادرة الذاتية:
إن من نتاج التربية السلبية السائدة في
مجتمعاتنا: الاتكالية، وانعدام المبادرة، وحتى العاملون للإسلام أصاب بعضهم
ما أصابه، فأصبح ينتظر الأمر، ولا يعمل إلا من خلال توجيه محدد، فتعطلت
طاقات فعَّالة في الأمة، وصارت الصحوة تفكر من خلال عقول محددة، وكم هي
الأفكار والأعمال والجهود التي لم تتجاوز نطاق تفكير صاحبها، والسبب أنه لم
يعتد على المبادرة ولم يربَّ عليها.
وإن التربية الجادة تنتج فيما تنتج
تنمية المبادرة الذاتية، فيعمل صاحبها ابتداءً دون انتظار التكليف أو
التوجيه، ويرى أن جدية الهدف وصدق العمل يتطلب منه أن لا تكون الاستشارة
والاستفادة من آراء الآخرين حاجزاً وهمياً وعائقاً دون أي عمل، فينطلق
ويعمل، ويبادر ويفكر، محيطاً ذلك كله بأسوار الاستشارة، وجاعلاً إياه في
دائرة الانضباط والالتزام.
11 - الحل الأمثل للمشكلات التربوية:
تظهر في الساحة الآن مشكلات
تربوية يعاني منها كل من المربين والموجهين لجيل الصحوة والمتربين على حد
سواء: (الفتور، الكسل عن الطاعة، ضعف العناية بطلب العلم الشرعي ودنو
الهمة، الخور في القيام بأعباء الدعوة، ضعف القدرة في تحويل القول إلى عمل،
المشكلات الأخلاقية، المشكلات السلوكية، التسويف...).
هذه مشكلات سلبية، وثمة مشكلات من نوع آخر: (التعالم، الكمال الزائف، والتمشيخ المبكر...).
إن هذه المشكلات وتلك تعود إلى محور واحد ومشكلة أساس ألا وهي ضعف التربية.
والتربية
الجادة هي العلاج الأنجع بإذن الله من هذه الآفات، واختصار الطريق
بالتربية ابتداءً خير من تفتيت هذه المشكلات وعلاجها على حده علاجاً قد
ينشغل بالمظهر عن السبب الحقيقي، ويتوجه إلى العرض دون جوهر المشكلة.
12 - النتاج المادي وتقدم الأمة:
لاشك أن وظيفة الأمة الأساس هي
قيامها بهذا الدين وإقامة هذه الملة، لكنها مع ذلك مطالبة بأن تقدم البديل
الحضاري للحضارة المادية المعاصرة، فضلاً عن أن تكون أمة عصامية، أمة
حياتها بيدها لا بيد أعدائها، فتتجاوز مرحلة تسول التقنية والانبهار المادي
إلى مرحلة الإبداع والمساهمة الفعالة، وأي إغراق في السطحية والسذاجة فوق
أن تتوهم الأمة أنها ستقاتل أعداءها بسلاح تستورده منهم، وتواجه الحرب
المتطورة بأساليب بدائية وهي تقرأ التوجيه الرباني (وأعدوا لهم ما استطعتم
من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا
تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا
تظلمون). [الأنفال:60].
فكيف حين تكون متسولة على موائدهم، عاجزةً عن تحصيل الرغيف من غير طريقهم.
وإنها لنقلة هائلة تطمح إليها الأمة وتراد منها، فهل يمكن أن يتحقق ذلك إلا على أكتاف الطليعة الجادة؟!