مصدر الموضوع الاصلي: قبسات من القرآن الكريم(7)
بســـــــــــــــــــــ الله الرحمن الرحيـــــــم ـــــــــــــم
الســــــــــــ عليكم ورحمة الله وبركاته ـــــــــــــــلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى : (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [ فاطر : 9 – 10] .
يخبرنا الله جل وعلا عن بالغ نعمته وعظيم قدرته فهو الذي أرسل الرياح لتهب على الأرض فترفع بخار الماء إلى طبقات الجو العالية ليتكوَّن منه السحاب , ثم يسوق السحاب بالرياح إلى بلد قد مات نباته وظمئ أحياؤه فَيُنزل منه المطر ويحيي به الأرض بالنبات بعد موتها بالجدب, فإذا كان سبحانه قادرًا على هذا الأمر المشاهد للناس فكذلك هو قادر على إحياء الناس بعد موتهم وهو الذي لايعجزه شيء .
والله سبحانه مولى المؤمنين وناصرهم , فمن كان يريد العزة في الدنيا والآخرة فليطلبها من الله جل وعلا وحده فإن العزة لله جميعا , فإذا كان المشركون يريدون الشرف والرفعة في الدنيا عند كبرائهم وزعمائهم فإنهم قد وهموا في ذلك لأن الله تعالى هو الذي خلقهم وخلق زعماءهم وسيذلهم وينصر أولياءه عليهم , فليحرص المؤمنون على الظفر بأسباب العزة وهي طاعة الله تعالى, فإنه هو الذي يرتفع إليه القول الطيب والعمل الصالح , أما الكفار الذين يدبرون الأعمال السيئة ويطلبون بها العزة الوهمية فإنهم وإن حصلوا على غلبة وهيمنة مؤقتة فإنهم لن يحصلوا على سعادة في الآخرة بل مصيرهم العذاب الشديد في جهنم لأن تدبيرهم السيء إلى هلاك وفساد , ولن يفيدهم شيئا في الآخرة , ولئن أفادهم بعض الشيء في الدنيا فإن الدنيا لاتُعدُّ شيئا لأنها فانية والآخرة هي الباقية .
ويقول الله تبارك وتعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[فاطر : 11 – 12] .
يبين الله تعالى في الآية الأولى مثلا من قدرته العظيمة , وذلك في نشأة الإنسان الأولى , حيث خلق الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام من تراب , وفي ذلك مافيه من عظمة القدرة الإلهية لبعد مابين التراب الجامد والإنسان الحي , ثم يذكر تعالى قدرته العالية في خلق بني آدم من نطفة ضئيلة لاحياة فيها إلى إنسان كامل سوي ينبض بالحياة , ثم يذكر تعالى حكمته في خلق هذا الإنسان أن جعل منه أزواجا رجالاً ونساء ليستمر الوجود الإنساني , وإلى جانب هذه الإشارة إلى مثل من حكمته في خلقه يذكر سبحانه مثلا من سعة علمه الذي شمل كل ماتحمله أنثى وماتضعه في هذا الوجود , كما أن علمه الواسع شمل أعمار كل حي في هذه الحياة من إنسان وحيوان ونبات وأحصى ذلك عنده في كتاب , فما تنمو من ورقة في شجر ولا يولد حي من إنسان أو حيوان إلا والله جل وعلا يعلم متى سيتطرق إليه الفناء , وإن ذلك وغيره ليسيرٌ على الله سبحانه .
ثم يذكر الله جل وعلا في الآية الثانية جانبا من عظيم قدرته وبليغ حكمته وذلك في خلق البحار والأنهار , فقد خلق الله تعالى لنا المياه العذبة لاستعمالها المباشر في الشرب والري , وخلق المياه المالحة لِحكَم عظيمة منها تصاعد الأبخرة التي يتكون منها السحاب , ومن عجيب قدرته تعالى أن سخّر البحرين لنمو الأسماك ونحوها مما يأكله الإنسان , والجواهر الثمينة مما يلبسه الإنسان في الزينة وغير ذلك مع أن البحرين يختلفان تماما . فهذا عذب يستسيغه كل حي وهذا ملح شديد الملوحة , ثم ذكر سبحانه حكمة من خلق هذه المياه العظيمة وهي تهيئتها لسير السفن فوقها مما لايمكن أن يتهيأ في البر لضخامة حجم السفن , سخر ذلك جل وعلا لنستفيد منه في سفرنا وتجارتنا , ومن أجل أن نشكره عز وجل على هذه النعم. |
الكاتب: الشيخ د.عبد العزيز بن عبد الله الحميدي