لم يبق شيء في ( حِلة قريش ) على
ما كان سواها ..
كان العمّ ( سلامة ) قد غرسها أمام داره منذ عشرات السنين .. وبالرغم من
أنه يمتلك ( روضة ) مليئة بمثيلاتها إلا أنه آثرها على من عداها .. ولعل
ذلك سبب بقائها نضِرةً حتى اليوم
هناك على طرف ( الدكة ) كان يجلس وإلى يمينه نخلته المأثورة .. وكنا نجلس
إذ نحن صبية حوله نستمع إلى صوته الشجيّ وهو يقرأ القرآن في وقت العصاري ..
وليلاً يلتفُّ حوله رجالات ( عين علي ) يحدثهم بأحاديثه المباركة فأبقى
مستيقظاً لأستمع إليه حتى ينفضّ الرجال من مجلسه .. وقد يطول بي السهر
أحياناً فأراه يشرعُ في تهيئة فراشه ليخلد إلى النوم .. ومن عادات العمّ (
سلامة ) أنه لا ينام إلا على صوت المذياع .. والذي بفضله كنت أعرف أخباراً
لا يعرفها العمّ ( سلامة ) لأنه سرعان ما ينام والمذياع وأنا مازلنا
مستيقظين !.
ويوم أن كنا قعوداً عنده ذات يوم أخبر القوم بأنّ الحرب العالميّة قد انتهت
ومن المحتمل أن يزور الملك ( فاروق ) خليج ( رضوى ) .. هكذا قال وهذا ما
أثبتته الأيام وما يزال به الحال هكذا حتى كبرنا .. يقرؤنا القرآن ويستمع
إلى المذياع ويحدّث الناس .. ويلوم قوماً ليس أذكرهم قائلاً :
- أما كان الأجدر بهم البقاء .. مَن سيرعى النخل ويسقي الأرض ؟!
قلت بحسرةٍ ولوعة :
- لقد مات .. مات النخل ! .. وأخشى يا عمّ ( سلامة ) أن ترحل أنت الآخر !
فنظر إليَّ وهتف بإصرار وصدق وهو يلتفت إلى نخلته :
- هذه بلدي مسكنٌ ومدفن .. وسيعود النخل كما هذه النخلة !
وأنجز ما وعد .. ولكن النخيل لم يعد !