الإسراء والمعراج
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: بيان تاريخ حادث الإسراء والمعراج
أرخ الزهري ذلك قبل خروجه إلى المدينة بسنة. وهو قول لعروة أيضاً وأرخه ابن إسحاق بعد البعثة بنحو من عشر سنين، قبل وفاة أبي طالب وخديجة. أما إسماعيل السدي فذكر أن الإسراء قبل مهاجره بستة عشر شهراً. وأما البخاري فقد ذكر الإسراء بعد موت أبي طالب.(1)
ثانيا: بيان الأدلة من القرآن على ثبوت حادث الإسراء والمعراج
حادث الإسراء والمعراج ثابت بنص القرآن قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(2)
وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)}(3)
بيان إعداد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه للحادث وذلك بشق الصدر:
صحت الروايات في قيام جبريل عليه السلام بشق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وغسله من ماء زمزم، وإفراغ الحكمة والإيمان في صدره. ففي الصحيحين عن أنس قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمةً وإيمانا، فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا ... ". وقد وردت روايات أخرى صحيحة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد الحرام، أو في الحطيم أو الحجر بالذات من المسجد الحرام حين شق صدره وغسل قلبه ، ويمكن الجمع بأنه كان في بيته ثم جاء به جبريل إلى المسجد الحرام. فالرواية التي سقتها تفيد بأن الغسل تمَّ بماء زمزم، وهو في المسجد الحرام، وقد تبيَّن الشرَّاح أن الحكمة في شق الصدر وملء قلبه إيماناً وحكمةً استعدادا للإسراء به، تظهر في عدم تأثر جسمه بالشق وإخراج القلب مما يؤمنه من جميع المخاوف العادية الأخرى. ومثل هذه الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لمقدرة الله تعالى التي لا يستحيل عليها شيء. وقد أنكر ابن حزم الظاهري والقاضى عياض وقوع الشق ليلة الإسراء وادعى أن ذلك تخليط من شريك-في إسناد البخاري- وليس كذلك، فقد ثبت وقوع شق الصدر في الإسراء والمعراج في الصحيحين من غير طريق شريك.(4)
بيان ما سمعه وما رآه وما حصل له صلى الله عليه وسلم في الحادث:
- أسرى به إلى بيت المقدس على البراق حيث صلَّى بالأنبياء فيه...
- ثم عرج به إلى السماء السابعة مارا ببقية السموات الست ملتقيا بالأنبياء آدم ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى بن زكريا وهارون وموسى وإبراهيم.
- وقد سمع صريف أقلام الملائكة، وفرضت عليه الصلاة خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس صلوات.
- وقد وصف سدرة المنتهى بأن نبقها مثل الجرار، وورقها مثل آذان الفيلة.
- ووصف البيت المعمور في السماء السابعة وما يدخله من الملائكة.
- ووصف نهر الكوثر في الجنة وأن حافتيه قباب اللؤلؤ مجوف وطينه مسك أذفر.
- وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قد رأى ربه فقال: نور أنى أراه.
- ووصف ما رآه من أنهار الجنة وهي أربعة أنهار؛ اثنان باطنان في الجنة, واثنان ظاهران وهما النيل والفرات.
- ووصف رؤيته لجبريل لما دنا منه وإن له ستمائة.
- ورأى في المعراج عذاب الذين يغتابون الناس فإذا لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم.(5)
بيان تفاعل الناس قديما مع حادث الإسراء والمعراج
عندما أخبر رسول الله قومه بما وقع معه من الإسراء والمعراج صدقه المؤمنون وكذبه المشركون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط.
قال: "فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به"، لقد افتتن المشركون فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا، ولكنهم اضطروا للاعتراف بصحة وصفه لمسجد بيت المقدس. وقد صح أن بعض المسلمين ارتدوا، وأن أبا بكر رضي الله عنه قال للمشركين عندما أخبروه بخبر الإسراء والمعراج: لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ فقال: نعم. إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.(6)
بيان تفاعل الناس بعد عصر النبوة مع حادث الإسراء والمعراج:
تأول البعض حادث الإسراء والمعراج فزعم أنه رؤيا منامية، ومنهم من زعم أنه بالروح وليس بالجسد، والصواب كما ثبت عن ابن عباس أنه رؤيا عين بالروح والجسد. قال تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}. وهذا هو رأي جمهور العلماء أن الإسراء كان يقظة بروحه وجسده، مرة واحدة. وأن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة.(7) خبر شق الصدر لا تتقبله عقول الماديين ,أما المؤمنون بالغيب فهم يسلمون به تبعا لتسليمهم بالوحي والنبوة ,وهما خرق للقانون المادي ,لا تقبله الفلسفات الحسية لأنه ظاهرة لا يمكن إخضاعها لتجاريب المختبرات , ولكن الإيمان بالغيب شرط الإسلام: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}.(8)
بيان الغاية من حادث الإسراء والمعراج:
بعد رحلة الطائف الأليمة، وقع حادث الإسراء والمعراج، فكان مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.(9) وفتنة للكافرين الذين زاد عنادهم وكفرهم، ولبعض ضعفاء الإيمان ممن زلزل الحادث إيمانهم، فكفروا ولم يعودوا إلى حظيرة الإيمان حتى قتلوا.(10)
الإسراء والمعراج كان مكافأة ربانية، ومواساة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الحصار الظالم الذي استمر ثلاث سنوات في شعب أبي طالب، وبعد وفاة الناصر الحميم أبي طالب، والزوجة الوفية الأمينة خدبجة -رضي الله عنها-، وبعد رحلة الطائف الأليمة. فكانت هذه الرحلة الربانية، التي أكرم الله -تبارك وتعالى- فيها رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليُذهب عن صدره الآلام والأحزان.(11)
والحمد لله رب العالمين.
------------------------------------------------------
(1) (السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيحَةُ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثينَ فِي نَقْدِ روَايَاتِ السِّيرَةِ النَّبَويَّةِ). أكرم ضياء العمري. الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة. الطبعة: السادسة، 1415 هـ - 1994 م 1/188
(2) سورة الإسراء، الآية1
(3) سورة النجم الآيات 13 إلى 18.
(4) (السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيحَةُ)1/188،189
(5) المصدر السابق 1/190،191
(6) المصدر السابق 1/191،192
(7) المصدر السابق 1/192
(8) المصدر السابق 2/614،615
(9) المصدر السابق 1/188
(10) المصدر السابق 1/192
(11) (سُبُل السَّلام مِن صَحيح سيرة خَير الأنَامِ عَليه الصَّلاة وَالسَّلام). صالح بن طه عبد الواحد. راجعهُ وقدَّم لهُ: فضيلة الشيخ سليم بن عيد الهلالي، فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان. الناشر: مكتبة الغرباء، الدار الأثرية. الطبعة: الثانية، 1428 هـ ص178