الكلام يطلق على اللفظ والمعنى، ويطلق على كل منهما وحده، وناقله عمن
تكلم به من غير تحريف لمعناه، ولا تغيير لحروفه، ونظمه مخبر مبلغ فقط،
والكلام إنما هو لمن بدأه، أما إن غَيَّر حروفه ونظمه مع المحافظة على
معناه، فينسب إليه اللفظ: حروفه ونظمه، وينسب من جهة معناه إلى من تكلم به
ابتداء، ومن ذلك ما أخبر الله عن الأمم الماضية كقوله -تعالى-:
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ
وقوله :
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ
هاتان تسميان قرآنًا، وتنسبان إلى الله كلامًا له، باعتبار حروفهما
ونظمهما؛ لأنهما من الله لا من كلام موسى وفرعون؛ لأن النظم والحروف ليس
منهما، وتنسبان إلى موسى وفرعون باعتبار المعنى، فإنه كان واقعًا منهما،
وهذا وذاك قد علمهما الله في الأزل، أمر بكتابتهما في اللوح المحفوظ، ثم
وقع القول من موسى وفرعون بلغتهما طبق ما كان في اللوح المحفوظ، ثم تكلم
الله بذلك بحروف أخرى ونظم آخر في زمن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
فنسب إلى كل منهما باعتبار. وأما وصف كلام الله بالقدم، فلم يعرف عن
الصحابة - رضي الله عنهم- ولا عن أئمة السلف - رحمهم الله - وإنما كان أهل
السنة يقولون أيام المحنة: كلام الله غير مخلوق، ويقول مخالفوهم: كلام الله
مخلوق، فوصف كلام الله بأنه قديم اصطلاح حادث، ولو جرينا عليه، قلنا: كلام
الله قديم النوع، حادث الآحاد؛ لأن الله -تعالى- لم يزل متكلمًا، ولا يزال
متكلمًا بما يشاء، وحتى إنه ليتكلم يوم القيامة مع المؤمنين والكافرين
وغيرهم بما يشاء، كما ثبت في الصحيحين : عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه -
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان
.الحديث، مع أحاديث أخرى في الموضوع.