مصدر الموضوع الاصلي: الاستعداد لرمضان
الاستعداد لرمضان
بقلم/أ.هيفاء الحواس.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
وقفت
قبل قليل على محاورة نبينا نوح - عليه السلام - مع ابنه: }وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى
نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ
تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن
رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ{. [نوح: 42-43]
وعلى
قول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما حضر رمضان: "قد جاءكم شهر مبارك
افترض عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة, وتُغلق فيه أبواب الجحيم, وتُغل فيه الشياطين, فيه ليلة خير
من ألف شهر, من حُرم خيرها فقد حُرم". رواه أحمد والنسائي والبيهقي
فهلا اصطحبنا في هذا المركب.
(اركب معنا) هكذا نادى نوح
ابنه، وهكذا ينبغي أن ينادي بعضنا بعضًا في هذا الشهر المبارك.
المركب هو: سير النبي صلى الله
عليه وسلم, وسير السلف، والركوب يعني: أن كل كلمةٍ أقرأها
الآن, أو أسمعها مما قال الله, وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ سأقصد فيها العمل والقضية بلا شك تحتاج إلى عزيمةٍ
ومجاهدة.
ورمضان
كفيلٌ بمغفرة الذنوب - بإذن الله- عَظّمَه الله, ورفع قدره،وسماه باسمه في
القرآن: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآَنُ{ [البقرة : 185] ,ولم يسمِّ شهرًا غيره!
الكون فيه يتغير: تفتح أبواب الجنان,
وتغلق أبواب النيران, تصفَّد الشياطين, لله في كل ليلة عتقاء,ولا يحصل هذا
إلا في رمضان! وهذا يكسبه شرفًا زمانيًا غير عادي!
والنبي صلى الله عليه وسلم يتغير أيضًا في
رمضان؛ فهو في سواه يراوح مع أهله, ويجلس معهم؛ أما في رمضان فالأمر مختلف,
تبدأ هذه الجلسات تقل حتى تنقطع في العشر الأواخر.
إذن لا بد أن أتغير أنا: أصون لساني, وسمعي,
وبصري, أقف عند كل تصرفٍ لي, ولأن هذا الشهر عظيم عند الله أعظمه في قلبي,
ولا أضيع منه لحظة, فمن أحسن فيما بقي، غُفر له ما مضى, ومن أساء فيما بقي،
أُخِذ بما مضى وما بقي". والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن مثل الذي يعمل
السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجلٍ كانت عليه درعٌ ضيقة قد خنقته, ثم عمل
حسنة فانفكت حلقة, ثم عمل حسنة أخرى فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض).صحيح
أولاً: لابد أن نوقِن أننا
أصحاب ذنوبٍ كثيرة؛ وبالتالي فقلوبنا مغلفة غلافٌ فوق غلاف}كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين:14],وقوله تعالى :}اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ
اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ
هُمُ الْخَاسِرُونَ{. [المجادلة: 9]
ومن علامات استحواذ
الشيطان على القلب:-
1- أن يشغله ببناء ظاهرة من مأكلٍ, وملبس.
2- يشغل قلبه عن التفكر بآيات الله, وعن
القيام بشكرها.
3- يشغل لسانه عن الذكر؛ بالكذب, والغيبة,
والنميمة ، وما لا يعني.
4- يشغل لبَّه عن التفكر, والمراقبة ؛بجمع
الدنيا.
ولا
شك أن فينا شيئًا من هذه العلامات, إذن نحن معرَّضون للعقوبات! عقوبات على
القلب, والبدن, والرزق، والأولاد ,قال تعالى : }مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ{ [النساء:123] , وإذا لم ننتبه
لأنفسنا يحصل الطمس- والعياذ بالله- قال تعالى : } أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ
الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم
بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ {. [الأعراف:100]
ولا يمكن أن نكسب رمضان بمثل هذه القلوب! قال بعضهم: "إن الحديد
إذا لم يُستعمل غشيه الصدأ حتى يفسده, كذلك القلب إذا عُطل عن حب الله,
والشوق إليه, وذكرِه غشيه الصدأ حتى يميته, ويهلكه" ,ولا يحدث الحب ,والشوق
إلى الله بقلوبٍ مليئةٍ بالذنوب.
فأول
شرط للركوب إذن: إحداث توبة صادقة, وذلك قبل دخول رمضان؛ لأن العتق
يبدأ من أول ليلة, ونحن نرجو أن نكون من عداد المعتقين فيها, وإذا حدثت
التوبة قبل دخول الشهر سيكون القلب فيه صافيًا رقيقًا,وأطوع للطاعات, وبذلك
يتعرض لنفحات الله.
لابد من إحداث التوبة؛ لأن أعمال العام كلها ترفع إلى
الله في شهر شعبان، والتوبة تمحو ما قبلها ومعلوم أن رفع الأعمال إلى الله يكون:-
رفعًا يوميًا: حيث يرفع الله عمل
الليل أول النهار, وعمل النهار أول الليل؛ فمن فاته شيء في النهار عوّضه في
الليل قال تعالى : }وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورا{. [الفرقان:62]
ورفعًا أسبوعيًا: وذلك يوما الإثنين
والخميس.
ورفعًا سنويًا: في شهر شعبان, ففي
الحديث (يا رسول الله ! لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟
! قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه
الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي ، وأنا صائم).حسن
وإذا انقضى الأجل رُفع عمل العمر كله رفعًا نهائيًا, وطويت صفحة
العمل.
الشرط الثاني: الصدق مع الله أعزّ
أنواع الصدق: صدق العزم قال تعالى :}فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا
اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ{ [محمد:21] ,وقد أثنى الله على الصادقين في عدة
آيات من كتابه العظيم قال سبحانه: }رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلاً{ [الأحزاب:23],وفي قصة الثلاثة
الذين خُلِّفوا؛ حين قالوا الصدق, وصدقوا في توبتهم أنزل الله فيهم قرآنًا
يتلى إلى قيام الساعة في قوله تعالى : }وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ
أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ{,ثم في الآية التي تليها قال
تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ
الصَّادِقِينَ{ .[التوبة:119]
ومن
أمثلة الصادقين كذلك أنس بن النضر لمّا فاته شهود غزوة بدر قال : "لئن أشهدني الله
قتال المشركين ليرين اللهُ ما أصنع", فلما كان يوم أحد صدق الله، وانطلق وهو
يقول:" الجنة
ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد", وقد أبلي بلاءً حسنًا, واستشهد وفيه
بضعة وثمانين جرحًا, ولم تعرفه أخته إلا ببنانه ,واعلم أن من طلب الله
بالصدق أعطاه الله مرآةً يبصر منها الحق, والباطل.
الشرط الثالث: الإخلاص,والأمة تنصر
بالخُـلَّص, والإخلاص قرين الصدق، و"بضاعة الآخرة لا يرتفع فيها إلا مخلصٌ
صادق".
قال
تعالى في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).صحيح ,وهو من أجود
الأحاديث وأحكمها؛ فالصوم لله من دون الأعمال؛لأن الإخلاص فيه بيِّن.
وقفات مع عباداتنا في رمضان: تلا النبي صلى الله
عليه وسلم قوله تعالى : } مَن
كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ{ [الشورى:20] ,ثم قال: (يقول
الله سبحانه: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ
صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك ).صحيح
إذن لا بد أن أتفرغ لعبادة الله في رمضان, وأخرج منه ولم يسبقني
إلى الله أحد, لا أسمع شيئًا من الخيرات إلا وآتي به وأزيد عليه.
وقد
قال- صلى الله عليه وسلم - : ( من جعل الهم هما واحدا كفاه الله هم دنياه ،
ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك ).إسناده صحيح او حسن أو ماقاربهما
كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف كل سنة عشرة أيامٍ من رمضان, وفي عامه
الأخير اعتكف عشرين يومًا؛ لأنه مودع, والشعور بالتوديع يجعل الإنسان
يضاعف العمل, ونحن لا نعلم متى تنتهي آجالنا؛ لذلك علينا أن تكون أعمالنا
كل عامٍ في مضاعفة,ولعله يكون رمضاننا الأخير؛ فلا بد أن نجتهد ليغفر لنا,
وإلا حلت علينا دعوة جبريل - عليه السلام - والتي
أمّن عليها النبي - صلى الله عليه وسلم – كما جاء في الحديث : ( أن النبي صلى الله
عليه وسلم صعد المنبر فقال :آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله إنك صعدت
المنبر فقلت :آمين آمين آمين فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فقال :من
أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت :آمين). إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما
الصلاة: من المهم الحرص على
تأدية الفرائض كما ينبغي, والإكثار من السنن بين المغرب, والعشاء؛ فهو وقت
غفلة, وللعبادة في وقت الغفلة شأن, يقول أحدهم: حضرت عند رجلٍ صلى بين
المغرب, والعشاء مئة ركعة,وأفضل الأعمال الصلاة؛ لذلك لما سأل ربيعة بن كعب
- رضي الله عنه- النبي - صلى الله عليه وسلم- مرافقتَه في الجنة قال- صلى الله عليه وسلم- : (أعني على نفسك بكثرة
السجود).صحيح مسلم
الصوم: في الحديث عن أبي
أمامة رضي الله عنه قال : (قلت: يا رسول الله مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا
عدل له قلت :يا رسول الله مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له قلت:
يا رسول الله مرني بعمل قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له ) .صحيح أو حسن أو ماقاربهما
ومن أبرز ما ينبغي الإشارة إليه: أننا نحتاج إلى صومٍ صحيح
"إيمانًا" بفرضيته, و"احتسابًا" أي: طيبةً نفسه به,وغير مستثقل لصيامه, ولا
مستطيل لأيامه,وإذا أحسسنا بالعطش والجوع نستشعر حلاوة الطاعة،و يقول
العلماء: "كلما قوي الداعي وتمَّ الترك عَظُم الأجر".
ومن المعينات على استشعار الطاعة أن أعرف
من أقصد: فالرب- سبحانه- أكرم ما تكون عليه وأحوج ما تكون إليه, والخلق:
أهون ما يكون عليهم وأحوج ما يكون إليهم".
مما
يعين على ذلك أن أتذكر كلما أتاني شعورٌ بالرغبة في سرعة الانتهاء من
العبادة: "أرحنا
بها يا بلال" أرحنا بها, وليس منها. أستشعر اطلاع ربي على قلبي كيف هو؟
هل هو مملوء بالراحة؟ أم ينتابه الملل؟
قراءة القرآن: لما يتفرغ الإنسان في
هذا الشهر من هوى نفسه, يصير عنده لقراءة القرآن وقت مناسب تحصل به اللذة,
يقول الزّهري: "رمضان إنما هو قراءة قرآن, وإطعام طعام".
* كيف نجمع بين الإنجاز
في قراءة القرآن,والتدبر؟
الإنجاز
في رمضان مطلب،وأقل ورد لطالب العلم أن يختم في ثلاث، لكن لابد مع هذا من
تخصيص ختمة للتدبر بمعدل جزء يوميًا نقرأه من إحدى التفاسير الميسرة،
ويزيدنا ذلك طمأنينةً, ويقينًا, وأجرًا, والجمع بين ذلك ميسور بإذن الله، يقول الشيخ الخضير: أعرف الذي يبكي في
القراءة,وهو ينهي في الساعة خمسة أجزاء! كيف؟ لأنه اعتاد على القراءة في
التفاسير, ووعى الآيات.
جعلنا الله من أهل القرآن في هذا الشهر, ونفعنا, ورفعنا به.