مصدر الموضوع الاصلي: الروتين و التغيير
الروتين و التغيير
آلاء عمر المعيقل
أكثر الأشياءِ من حولنا باتت اعتيادية , وأكثر من المعتاد أيضًا !
أفعالنَا التي نؤديها كَنوعٍ من الواجبات أو من قبيل الاختيار باتت بلا
مشاعر , كقطعة ثلجٍ إذا سكبت على جلودنا فقدنا الإحساس بها . و النّاسُ من
حولنا ماذا قدّمنا لهم سوى السَّلام الروتيني و الابتسامة المُعتادة فقط ! ,
وأصبحنا نُحيل أنفسنا لجمادٍ بأرواحٍ باردة حينما نُمسك بالجمادات , لا
يُمكننا أن نتمسّك بمشاعرنا الإنسانية حيالها .
المعتاد و الاعتياد و العادة وكل التصريفات الروتينية , إن امتلأنا بها , قتلتنا !
فماذا نفعل حيَال طقوسنا التي ننسى أن نُخلص نوايانا فيها , لِنستشعرها ؟
و أخلاقنا مع البَشر ما عُدنا نُصنِّفها من أولويات العادات اليومية , قد وضعناها في الدرك الأسفل , وفي أحسنِ الأحوال الأوسط !
ورؤيتُنا تجاه الحديث التي نمرّ بها بنظرةٍ قديمة خالية من التفاؤل و الإيجابية .
وتحليلنا للمواقف و التجارب فاضت بالسلبية المعتادة .
تمرُّ الأيّام المتشابهة لا نشعرُ بها , و نحنُ نغرقُ في الرّوتين , و تكبر
أعمارُنا وما زلنا بنفسِ ثقافتِنا و نفسِ أسلوبِ حياتنا و نفسِ طقوسنا .
***
ماذا لو تغيّرت نظرتُنا تجاه كل تلكَ الأفعال و الأفكار و الجمادات !
ما ذا لو نجرب أن نغيّرها ؟
أن نفعل شيئًا مُختلفًا !
أن نقشر البرتقال بالملعقةِ بدلًا من السكين !
و نسبح في الهواءِ بدلَ البحر !
***
لِنطلقَ على كلمة الصلاة " حيَاة " , سنحيَا حياةً مُنعشةً في الفجر , و
نستأنس بالحيَاةِ في الظهر و العصْر , و نحيا النهضة في المغربِ و العشاء ,
ونعيشُ حياة الطمأنينة في الليل , أليسَ في الصّلاة حيَاةٌ ؟ حياةٌ من
الجنّة , من السلام الداخلي , هل سنُصلي الصلاة كالمُعتاد ؟ أم أننا سنشتاق
أن نحيَا و ننهض و نرتقي في اليومِ خمسَ مرات على الأقل !
و القرآن , لنعتبرَه كتاب " النهضة و العلم " , و للاستزادة من السعادة , و
إحيَاء الأموات , بدلًا من جعلهِ للبكاء على الأموات و إماتة الأحيَاء ,
أما نهضت به قريش بعد أن كانت في كهوفٍ مظلمة , ألا يجبُ علينا أن ننهض به ,
بدلًا من قراءتِه عند الأحزان فقط !
أما الكتاب , فلنجعله كطائرةٍ تُحلّق بنا في عوالمَ مختلفة , و عقولٍ أخرى ,
فالقراءَة كرحلة سفرٍ بلا تذاكر ولا حجوزات , فتارةً نبحر في العقول
المُفكرة العميقة , و تارةً نحلّق مع الأفكارِ الإبداعية , أو نزدادُ حيرةً
مع الفلاسفة , أو نسافرُ للسيَاحة في الأندلس , المهم أننا عقولنا لن تظل
في مكاننا , ستسافرُ لأماكنَ باختياراتنا .
وأخلاقنا مع كلِّ أصناف البشر , هي أخلاقٌ مع أنفسِنا أولًا , فاعتدنا منذُ
الصغر أن نلومَ الآخرين عند إساءتهم لنا بقولنا : احترم نفسك ! , لكننا ما
فهمْنا أن احترام الذات ليست لتجنب الإساءة للآخرين , الهدوءُ في حضرة من
هم أكبرُ منا , أو في أماكنَ عامة هي احترام الذات , و أمانتنا , و صدقنا
هي احترام الذات أيضًا , و الابتسامَة و السلام و الكلمة الطيبة , أخلاقٌ
حميدة تنبع من أخلاقنا مع ذواتنا قبل الناس , فالأخلاق كلها ( لنا ) قبل
الناس .
لو استبدلنا الوضع ( الصامت ) على أجهزة الجوال بكلمة ( احترام ) , فعندما
نشعرُ بأننا سنسبب الضجيج بأجهزتنا في مكانٍ ما , وضعنا الجوال على (
الاحترام ) , و الجدال اعتبرناه ( حوار ) نستفيدُ من أفكارِ من نناقشهم و
نأخذُ بنظرياتهم , ووضعنا في أعيننا أننا بشرٌ نصيب و نخطئ , و النصيحة
نحيلها إلى ( عتاب أحبة ) لنفكر بها أكثر , و نعي أنها من قلوب الأحبّة ,
ليست من عقولِ حاسدين .
الوعي بأن التعامل مع إنسانٍ ما , ما هو إلا مرآةُ لتعاملنا مع أنفسِنا.
لأننا اعتدنا أن نطلق على البيئة التعليمية , ( البيت الثاني ) , ما عدنا
نكترثُ له , ولا نهتم و نعتني بأخلاقياتنا مع منزلنا الثاني , فلو نستبدله
بـِاسم ( مؤسسة التطوير و النهضة ) أو ( منشأة العلمِ و الحضارة ) و الطلاب
هم صنّاعها وروّادها , ألَن يَكون ذلك أفضل لِرقي المتعلمين و المُعلّمين ,
و استشعارهم بتلك الرسالة العظيمة .
و لو عشنا يومًا بلا جهازِ تقني , سنفعلُ كل ما هو مختلف , بعيدًا عن جهاز
الجوال بأنواعه و تقنياته الذكية , و التلفاز , و أجهزة الحواسيب , سنقضي
على روتيننا ليومٍ واحد , يومٌ من فراغٍ سيمتلئ بكلّ ما لم نعتد عليه .
لنخرج عن كل ما هوَ مألوف , و نلج في المُختلف . لتجديد طقُوسنا , و
أعمالنا , و تطويرِ أفكارنا , و القضاء على روتينٍ يقتل ذواتنا قبل أيّامنا
, حتى في نظرتنا تجاه المواقف , الأحداث لا نقرأها من جهةٍ واحدَة , ولا
نركز على الجانب الفارغ من الكوب , فقد قال الرسول "إذا قال الرجل : هلك
الناس ، فهو أهلكهم" رواه مسلم , قليلٌ من التغيير و شيءٌ من فعل ما نعتاد
عليهِ بشكلٍ مُختلف , كفيلٌ بجعلِ حياتنا أكثر سعادة