الثمرة الخفية
تعتبر العملية التربوية من أسمى المهمات وأعلاها منزلة، وأجلها قدراً، وأنبلها غاية، وأسماها هدفاً؛ فالمربي يصدق عليه قول القائل:
يبني الرجال وغيره يبني القرى شتان بين قرى وبين رجال
إلا أن من أهم ما يشغل بال المربي الثمرة التي زرعها في نفس المتربي،
والتي لطالما حرص على سقيها ورعايتها، فتجده بين الفينة والأخرى ينظر إلى
من يربيهم هل أثرت تربيته على سلوكهم؟ وهل أفلح في تنشئتهم التنشئة
الصحيحة؟ وهل كانت تلك النصائح والتوجيهات التي يسديها لهم لامست قلوبهم
قبل أن تلامس مسامعهم؟
أسئلة كثيرة ترد على ذهن المربي يتشوف إلى إجابة سريعة لها، والواقع أنه
في بعض الأحيان بل في كثير من الأحيان –إن لم أكن مبالغاً– لا يلمس أثر
تلك التربية سريعاً، وذلك أن بناء النفس يحتاج إلى وقت ومراحل، فلا يستعجل
المربي الثمرة؛ لأنها ستظهر ولو بعد حين.
وهذه مسألة واضحة جلية، أما ما أريد الحديث عنه فهي الثمرة التي لا
يراها المربي ولو بعد حين، ولكن بذورها موجودة فهذه هي (الثمرة الخفية)
وتفسير ذلك أن ما يبذله المربي من جهد في التربية قد يؤثر في المتربي ولكن
هذا التأثير لا يقوى على أن يظهر في سمات المتربي، ولكنه قد زرع بذرة في
نفس ذلك المتربي ووضع لبنة من مجموعة لبنات تمثل بمجموعها شخصية المتربي
فنحن نتذكر أناساً كان لهم أثر كبير في بناء شخصياتنا، وإذا تأمل الإنسان
في نفسه وفي شخصيته وجد أنها عبارة عن مجموعة من اللبنات كل لبنة منها قام
بوضعها مربٍ مرَّ عليه في حياته من أب مشفق، أو أم حانية، أو أستاذ فاضل،
أو شيخ جليل ... الخ .
فأقول لكل مربٍّ: لا تيأس ولا تقنط إذا لم تر أثراً لتربيتك الآن –أقول
ذلك لمن أخلص وجهد واجتهد وبذل كل ما يمكنه في سبيل إصلاح المتربي– إنك بلا
شك قد تركت ثمرة في نفس المتربي تحتاج إلى من يسقيها ويعتني بها حتى تظهر
سلوكياً عملياً ملحوظاً في حياته، وليس بالضرورة أن تكون أنت من يعتني بهذه
الثمرة، نعم الاعتناء بهذه الثمرة أمر مطلوب ومحبب إلى نفس المتربي لكن
يكفي المربي أن يعرف أنه قد نجح في أداء رسالته مع تذكر القاعدة الشرعية
التي ذكرها الله تعالى في قوله ( إن عليك إلا البلاغ ) فمهما تعددت الوسائل
التي يستخدمها المربي في التربية إلا إنها محصورة في البلاغ أما الهداية
والتوفيق فهي إلى الله سبحانه وتعالى.