مصدر الموضوع الاصلي: علاقـــــة الحــــروب والصراعــــات الحالية .. بالاقتصــــــاد الامـــريكى!!
الحروب والاقتصاد الأمريكي
عذرا للاطالة فــــ الموضوع شائك
ولكن ارجو التركيز اثناء القراءة
لصعوبة ربط بعض الامور
مسلمة من مسلمات عصرنا هي العلاقة الترابطية بين السياسة والاقتصاد
إنها علاقة طردية متواصلة ومتداخلة،فكلما اتسمت السياسة ببعديها الداخلي
والخارجي بالقيم الإنسانية ،وحافظت عليها زادت من إمكانيات الدولة
الاقتصادية،ورفع المستويات المعيشية لشعبها،وبالتالي رفاهيته ، وعندما تضل
السياسات وتضيع في متاهات التيم والوله في السيطرة والاستغلال ومن ثم
الحروب تترك آثاراً من السلبية على الاقتصاد،وتُنزل الكوارث والمصائب على
شعوبها،إنما الاقتصاديات السليمة المعافاة يرفد وفرها عناصر القوة الضرورية
لحماية الوطن من عاديات الدهر وغوائله،وهي القوة
العسكرية،السياسية،الثقافية،والقوة الاجتماعية عماد الحياة الكريمة.
السياسات الأمريكية،ومنذ منتصف القرن الماضي راحت تدور وبسرعة في دوائر ما
يُسمى بالأنانية السياسية،بل وتخطت ذلك باعتمادها أساليب إجرامية سواء في
حروبها المدمرة في فيتنام،وكوريا،وأفغانستان،والعراق دُفع ثمنها ملايين
القتلى والجرحى،والتدمير شبه الكامل لكل ركائز بنيانها،وبذلك أعادتها إلى
الوراء قرونا زمنية عدة،وراحت شعوبها تصلح ما خرّبه دعاة كل شيء إلا الأصول
القيمية والكرامات،وإمعاناً في غيّها راحت تفرض على دول عدة سياسات للحد
من نموها وإبقائها في بؤرة الضعف الاقتصادي،وأكثر،ففي الآونة الأخيرة
انتهجت أساليب اللعب بالبنى الاجتماعية لشعوب عدة بهدف إثارة النعرات
المذهبية والإثنية فيها لتمزيق وحدتها،وخلق العداوات بين مكوناتها،وفي إحدى
المراحل الزمنية عمدت إلى إذكاء نار الحروب بين بلدان متجاورة تحت مسمى- الحروب البديلة-
من أجل تصفية لحساباتها،واستنزاف لإمكانات شعوبها محاولة إبقاء الفتنة
المستمرة لاستغلالها عند الحاجة لجني الربح من بيع أسلحنها وغالبا للطرفين
على حساب الدماء النازفة. ونتيجة لكل ذلك ظهرت نُدب في الاقتصاد الأمريكي
راحت تتوسع لتصبح تشوهات لعدم معالجة مسبباتها،بل دفع التمادي في غيّها الى
تشوّه البنى السليمة له تاركة بصمات سوداء عليه بفعل عوامل الاستمرارية في
هذه السياسات. كان من أهم الأسباب لذلك الإنفاق الهدري الداخلي الكبير مما
حدا بالمفكر الأمريكي"تاليف دين"ليكتب عن البذخ والإهمال والضياع ، ففضلات
الطعام الأمريكية التي تعادل 30%من الاستهلاك الغذائي تُلقى في صناديق القمامة،أي ما يقدر ب 48,3مليار دولار سنوياً،لكن الكاتب"ستيفان ليهي"يُلقي الضوء على جانب يدعو للدهشة والاستغراب،فرغم أرباح شركات النفط الأمريكية البالغة ما بين 20-40 مليار دولار فالحكومة المركزية تدعم هذه الشركات بــ 40 مليار دولار سنوياً زيادة على أرباحها الطائلة، والرئيس"بوش"في عام 2005 اعتمد قانون سياسة الطاقة الذي يسمح بتقديم 32,5
مليار دولار إضافية على صورة دعم ضريبي،وخفض لرسوم البراءات على مدى سنوات
خمس ، يضاف لذلك فالوزارات تعتمد المئات من البرامج لتقديم مخصصات غايتها
دعم قطاع الطاقة دون أن تحاسب الحكومة عليها،ومؤخراً حصلت 40 شركة على امتيازات مالية تقدر بنحو مليار دولار سنوياً،والمجموع قد يصل في النهاية إلى 50 مليار دولار بين عاميّ1996- 2000
وفقاً لدراسة أجرتها منظمة أصدقاء القروض. أما الحديث عن نفقات الحروب
فيكفي أن نورد شاهداً واحداً لنقدر ونتصور المبالغ المُنفقة على القتل
والتدمير،فاحتلال العراق يقدر كلفته الأمريكي"جوزيف ستيجليتر"بثلاثة آلاف
مليار دولار. هذه السياسات الطائشة كان الوهم الكبير فيها البحث عن المصلحة
الأمريكية أولا وأخيرا لكنها تركت منعكسات لها على:
1- تنامي العجز في الميزانية الفيدرالية حتى تجاوز رقمه 13,5
تريليون دولار،وتصاعدت معه مبالغ خدمات القروض الداخلية والخارجية
المترتبة عن طريق ما بات يُعرف بسندات الخزينة المغرية فوائدها والتي طال
عمر بعضها،فقد كانت في البداية لمدة ثلاثين عاماً ثم عُدلت بعدها لتصبح
لعشر سنوات،ومما يجدر ذكره أن موازنات بعض الولايات الاتحادية أصابها العجز
أيضاً.
2- العجز التجاري تزايد في السنين الأخيرة لعدم قدرة العديد من
المنتجات الأمريكية من منافسة مثيلاتها من إنتاج دول عديدة ناشئة لغلاء
أسعارها، بينما بقي الاستهلاك المحلي للسلع المستوردة على حاله،فقد ناهز
العجز في عام 2008 ما يقارب 696مليار
دولار،وما زال يتذبذب صعوداً وهبوطاً في الأعوام التي تلته،وانخفاض نسبة
العجز مؤخراً يُرجعها بعض المحللين إلى انخفاض في الواردات بسبب تراجع
القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي جراء الأزمة المالية التي انطلقت من
أمريكا وعمّت العالم كله وخاصة دول أوروبا. وكان الحل ما يلجأ إليه عادة - المفلسّون
- وهو الاقتراض...والاقتراض بدأ منذ عقود زمنية عبر قناتين قروضا
داخلية،وقروضا خارجية تقدم لدائنيها ما ذكرناه- سندات على الخزينة- لذا
تعرضت صناديق محلية مقرضة كالضمان الصحي والتقاعد لنقص في موجوداتها أدى
الى تدن قي خدماتها ،أما الخارجية منها فقد جاءت من صناديق رسمية لدول
ساهمت في التمويل لاعتبارات اقتصادية،أو سياسية،وأحياناً كان الكثير منها
مرغماً استجابة للإملاءات والأوامر،كما كانت إسهامات خاصة لبنوك
عالمية،وأفراد،وشركات مالية تداولت هذه السندات في أسواقها دافعها الربح "النظري" المُغري. هذه الظواهر الخطرة بدأت منذ زمن،ففي عام 1971
عندما فكّ ارتباط الدولار بالذهب لجأ بعده البنك الاحتياطي الفيدرالي لطبع
المزيد منه،وتحويله إلى السوق غير مهتم بانعكاس ذلك على الأسواق
العالمية،وعلى اقتصاديات البلدان النامية،وكان ذلك سببا من أسباب الأزمة
المالية التي ضربت وأثرت توابعها على جميع بلدان العالم. لنتصور مدى الخطر
القادم عندما تنشر وكالة"الأسوشيتيد برس"خبراً في عددها بتاريخ 4 ديسمبر- 2007تقول فيه"إن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الدَين الداخلي يزداد بحوالي 1,4مليار
دولار يومياً،أي بحوالي مليون دولار كل دقيقة، أما عن الديون الخارجية ففي
حزيران من العام الماضي بيّنت معلومات رسمية أن الصين أتت في مقدمة
الدائنين إذ بلغ حجم سنداتها مبلغ 846,7 مليار دولار،جاءت اليابان بعدها برقم803,6 مليار دولار،والدول المصدرة للنفط كانت في المرتبة الثالثة بمبلغ إجمالي 223مليار
دولار،لا تظهر لها أرقام تكشف عن حصة كل بلد،ولا حصة بلدان النفط العربية،
وتوقعات التشاؤم عبّر عنها مكتب الموازنة إذ توقع أن يرتفع الدين
الفيدرالي إلى 20,3 تريليون دولار عام 2020
،أما عن الحقائق والتوقعات المستقبلية يغلفها بعض المحللين بمسحات من
الأمل لكن الأغلبية منهم وبعض مراكز الأبحاث يعبرون عن قلقهم وخوفهم من
الانهيار الحتمي للاقتصاد الأمريكي وتأثيراته الكارثية على العالم متوقعين
انهيار قيمة سعر صرف الدولار أمام سلة العملات الأجنبية،وانهيار أسعار
العملات المرتبطة به،والكاتب"مارتن وولف"وفي مقال له نُشر في (الفايننشال تايمز) بدق ناقوس الخطر ويقول:"إن
الولايات المتحدة الأمريكية تمّر حالياً في الممر المريح نحو الخراب مما
يتسبب في تقويض مصداقيتها،وفي الدور العالمي الذي تلعبه عملتها"وفي كلامه إشارات قوية للخراب سيما في الخطورة المترتبة على سعر صرف الدولار،ويثبت الفكرة"رودريفو دي راتو"أحد
مدراء صندوق النقد العالمي السابقين عندما بيّن أن المصارف الأمريكية بدأت
تسحب دعمها للدولار الأمريكي بعدما طبعت كمية هائلة من الدولارات دون أن
يكون لها تغطية،ويبرر هذه السياسات المالية كاشفاً عن دوافعها "بول ولفوفيتز"الذي كان مديراً للبنك الدولي قائلاً:"ليس لدينا من خيار آخر في الحرب على العراق...إنه يعوم على بحر من النفط"،ويتابع كشف الحقائق الاستغلالية الاستعمارية،والعداء للأمة العربية أستاذ جامعة نيويورك"ديفيد هارفي"ليقول:"إن الخوف من قوة العراق أولا ً،والخوف ممن حركة المدّ العربي ثانياً كانت الشغل الشاغل للحكومات الأمريكية المتعاقبة حتى أن"كولن باول"ذاته
كان قد وضع خطط طوارئ عسكرية للتعامل مع العراق قبل أن تبدأ الحرب
الخليجية الأولى"ويتابع:"ليس صعباً أن يعمد المحافظون إلى اعتبار أن الصراع
مع العالم العربي سهلا ،وأن تتجسد المواقف في لغة تتحدث عن صراع صليبي
مسيحي ضد الجهاد الإسلامي،وبذلك تغدو فرضية الصراع الوشيك بين الحضارات
حقيقة . وهكذا استمرت سياسات العجز والاقتراض،والتخبط المالي،ففي
يوم1-فبراير-من العام الحالي 2010 قدّم الرئيس الأمريكي"أوباما"مسودة ميزانية الدولة لهذا العام والعجز فيها وصل مستوى قياسيا جديدا حيث يبلغ1,56تريليون دولار، شكل ذلك ما نسبته10,6من
الناتج المحلي الإجمالي مما يعتبر أعلى مستوى له منذ انتهاء الحرب
العالمية الثانية،والمبررات لتلك الإجراءات جاهزة فقد وَعد الرئيس برصد100مليار دولار إضافي من أجل تأمين فرص عمل جديدة حيث بلغت نسبة البطالة9,6%وطلت
ثابتة في الفترات الأخيرة علاوة على رفع الضرائب على الشركات والأفراد
بشكل ملحوظ مما سيسهم في انخفاض عجز الميزانية. الديون تتراكم، والصناديق
المحلية الأمريكية المُقرضة...صندوق الائتمان الحكومي،والصندوق التقاعدي
تجاوز حجم قروضها3,3 تريليون دولار، دخلت في
مراحل التعثر عن تلبية المطالب المترتبة عليها. لقد ألف وتآلف مسؤولو
الاقتصاد وقياداته مع هذه الأساليب فراحوا يحلون عقد أوضاع بلادهم
الاقتصادية على حساب شعوب العالم،ومنذ ما يقارب الشهر وقبل قمة العشرين
الاقتصادية و حتى لا يتعرضوا لطلب التوقف عن طبع وضخ المزيد من الدولارات
وتأثير ذلك على العملات المرتبطة به واتخاذ هم إجراءات مالية تحافظ على
ونائر التصدير لديهم لقد قرر مجلس الاحتياط الاتحادي(البنك المركزي)الدفع بــ600مليار دولار جديدة لشراء سندات خزانة الحكومة الأمريكية خلال الشهور المقبلة،وقد حاول"شالوم برناتكي"في حديث له يوم 5/11/2010
تعليل مبررات القرار بقوله:"هدفنا الأول وغايتنا الأولى هي أن ننفذ
التزامنا في العمل على استقرار الأسعار مع تحقيق أقصى درجات التوظيف داخل
الولايات المتحدة الأمريكية"لكنه استدرك للتغطية على ذلك بقوله:"إن
اقتصاداً أمريكياً قوياً،ونامياً هو أمر على قدر كبير من الأهمية ليس
للأمريكيين فحسب ولكن للعالم أجمع"،وصحيح قوله بأن الخطوات كهذه ستؤمن
مداخيل أفضل للفئات الأقل دخلا ًوبعضاً من الاستقرار المؤقت،أما على المدى
البعيد فزيادة نسبة التوظيف وسعر صرف الدولار سيزدادان انخفاضاً لأن هذا
الحل المؤقت وغير الدائم سيشجع الصادرات الأمريكية،لكن في المقابل سترتفع
قيم البضائع المستوردة بالمقابل وفي مقدمتها سعر النفط،وكل ما يستهلكه
الأمريكي،وكل مستوردات المواد الأولية الداخلة في الصناعة. إنها حلقة
جهنمية لا يعرف مبتكروها متى ينتهي دورانها فوعودهم تنصّب على المستقبل
القريب،ولا يعرفون نتائجها البعيدة،والخبير المالي"كيث جوكيز"رئيس
دائرة البحوث في الهيئة العامة للمصرف المركزي استبعد أن تؤدي سياسة إضعاف
الدولار إلى حل مشاكل بلاده الاقتصادية،والحل برأيه في الديون التي يجب أن
تأخذ الأولوية في التعامل معها. إذاً انتعاش مرحلي،والزمن القادم مجهول في
معطياته،والدولار في هبوط مستمر،وأمام هذا الخطر الداهم لجأت الصين إلى
تأسيس صناديق سيادية جديدة،وتنمية موجوداتها المالية،ومطالبة الولايات
المتحدة بسداد ما يترتب عليها من ديون،وأجرت سلسلة عمليات مقايضة للعملات
مع المصارف المركزية في الأرجنتين،هونغ كونغ،إندونيسيا،ماليزيا،كوريا
الجنوبية،والبرازيل،وقامت بتوريد "اليوان" للبنوك المركزية لهذه الدول...هذا يعني أن هذه الدول لم تعد بحاجة إلى عملة وسيطة(الدولار)للتجارة
في الصين. لقد بدأ العالم بإعداد خططه لتلافي ما أمكن من أخطار النكبة
القادمة،والمطلوب من الصناديق السيادية العربية والتي وصل استخدام70%-80%من موجوداتها سندات على الخزينة الأمريكية،والدكتور"علي بن حسن التواني"وفي مقال له تحت عنوان(أنا وبعدي الطوفان)المنشور 2010
نصح أصحاب القرارات المالية بالتوقف عن زيادة هذا الاستخدام
فوراً،والتخفيف من حمل القائم منها ما أمكن ذلك لأنها تشكل بتناقص قيمتها
الفعلية عبئاً إضافياً على الخزانات الوطنية لأن الاستمرار في هذه السياسات
سيعطل عجلة التنمية،وبالتالي الاضطرار للاستدانة فالموجودات المحجوزة قد
لا تساوي في القريب العاجل قيمة الورق الذي طُبعت عليه. نداءات طاهرة
صادقة،والجميع يتمنى العودة للاستثمار في مشاريع تنموية قطرية،ومشاريع على
مستوى الوطن العربي،وفي هذا التوجه ضمان للاستثمارات و ضمان للربح وللعائد
المجزي،وتأمين الأمن الغذائي العربي،وتطوير للاقتصاد العربي لتلبية
الاحتياجات المحلية وتوسيع لصادراته و موارده ،وبالتالي إبعاد للبطالة
،ورفع لمستوى الدخل للإنسان العربي وعدم المساهمة المادية في قتل وجرح
أبناء البشرية قاطبة في شراء سندات الخزينة الأمريكية وفي ذلك قمة العمل
الوطني القومي الانساتي .
تجميعا من مجموعة من المقالات والابحاث
وبعضا من قراءاتى الخاصة للموقف