مصدر الموضوع الاصلي: مواقع النجــوم
مواقع النجــوم
من الإشارات العلمية الدقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم الإشارة إلى ( مواقع النجوم ) ؛ وذلك في قول الله تبارك وتعالى من سورة الواقعة :﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾﴾(الواقعة :75- 80) .
فهذه الآيات الكريمة تتضمن نِفْيَ حاجة الله جل وعلا إلى القسم بمواقع النجوم ، على أن هذا القرآن كريم ، وأنه محفوظ في كتاب مكنون ، لا يمسُّه غير الملائكة الأطهار . ويصف ربنا تبارك وتعالى القسم بمواقع النجوم بأنه قسم عظيم ، لو كانوا يعلمون ... فما مواقع النجوم ؟ ولمَ جاء نفي القسم بها دون النجوم ذاتها ؟
وفي الإجابة عن ذلك نقول بعون الله وتعليمه :
أولاً- مواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء ، وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة , وبسرعات جريها ودورانها , وبالأبعاد الفاصلة بينها , وبقوى الجاذبية الرابطة بينها . ومواقع جمع : موقع . يقال : وقع الشيء موقعه , وهو من الوقوع بمعنى : السقوط . فمواقع النجوم هي : مساقطها . أما النجوم فهي أجرام سماوية منتشرة في السماء الدنيا , كروية أو شبه كروية , غازية ملتهبة , مضيئة بذاتها , متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي , هائلة الكتلة عظيمة الحجم , عالية الحرارة بدرجة مذهلة , وتشع كلًّا من الضوء المرئي ، وغير المرئي بجميع موجاته .
والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها , وحركات النجوم عديدة وخاطفة , وكل ذلك منوط بالجاذبية , وهي قوة لا ترى , تحكم الكتل الهائلة للنجوم , والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها , والحركات المتعددة التي تتحركها ، من دوران حول محاورها ، وجري في مداراتها المتعددة , وغير ذلك من العوامل التي نعلم منها ، ولا نعلم ...!!!
ثانيًا- ووَصْفُ القرآن الكريم لهذا القسم بمواقع النجوم بأنه عظيم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة , والتي تقول :« إنه نظرًا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا , فإن الإنسان على هذه الأرض لا يرى النجوم أبدًا ؛ ولكنه يرى مواقع مرَّت بها النجوم ، ثم غادرتها » . وعلى ذلك فهذه المواقع كلها نسبية , وليست مطلقة . ليس هذا فقط ؛ بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجومًا قديمة قد خبت ، أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة , والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلي اليوم الراهن . كما أنه نظرًا لانحناء الضوء في صفحة الكون ، فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية . ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم , وليس بالنجوم ذاتها- على عظم قدر النجوم- التي كشف العلم عنها أنها أفران كونية عجيبة يخلق الله تعالى لنا فيها كل صور المادة والطاقة التي ينبني منها هذا الكون المدرك .
ثم إن هناك مدلولاً علميًّا آخر عن مواقع النجوم ، وهو أن موقع الشمس موقع بالغ الدقة في وضعه ؛ لكي تستقيم معه الحياة على كوكبنا الأرضي .. فالشمس مثلاً ، وهي أقرب نجوم السماء إلينا ، تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر . فإذا انبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس ، فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث الدقيقة تقريبًا , بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي / 19 / تسعة عشر كيلومترًا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع Vega . فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء . وهذه الشمس لو تقدمت عن موقعها الحالي لاحترقت الأرض من شدة حرارتها ، ولو تأخرت عن موقعها لبردت الأرض وتجمدت فيها البحار والمحيطات ، ولصارت غير صالحة لحياة البشر عليها .