مصدر الموضوع الاصلي: ظاهرة السراب بين العلم وحقائق الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب ﴾[ سورة النور: 39]
أولاً- السراب عند المفسرين الأوائل :
هذا مثل ضربه اللّه تعالى للكفار الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات . فمثلهم في ذلك بالسراب بقيعة ، يحسبه الظمآن ماء . والسراب : ما يرى نصف النهار وقت اشتداد الحر كالماء في المفاوز يلتصق بالأرض . وأما الآل فهو الذي يكون وقت الضحى كالماء ؛ إلا أنه يرتفع عن الأرض حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء . وسمِّي : السراب سرابًا ؛ لأنه يسرب سروبًا . أي : يجري كالماء , ولانسرابه في مرأى العين . ويقال : سرب الفحل . أي : مضى وسار في الأرض . ولا يكون السراب إلا في الأرض القيعة وقت الحر ، فيغتر به العطشان . قال الشاعر :
فلما كففنا الحرب كانت عهودهم ** لمع سراب بالفلا متألق
وقال ذو الرمة يصف السَّرابَ :
يَجْرِي ، فَيَرْقُد أَحْيانًا ، ويَطْرُدُه ** نَكْباءُ ظَمْأَى ، من القَيْظِيَّةِ الهُوج
والقيعة جمع القاع ؛ مثل جيرة وجار . والقاع ما انبسط من الأرض واتسع ، ولم يكن فيه نبت ، وفيه يكون السراب . وأصل القاع : الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء ، وجمعه : قيعان . وقال الجوهري : القاع : المستوي من الأرض .
والحسبان في قوله تعالى :﴿ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ﴾ يدل على أن الشيء الذي تحسبه موجود , وهو في الحقيقة ليس كذلك , فهو غير موجود حقيقة . وبالتالي فهو مناقض لما ترى . والظمآن هو العطشان . وقال الزجاج : هو أَشدُّه . والظَّمْآن : العَطْشانُ . وقد ظمِئَ فلان يَظْمَأُ ظَمَأً ، إِذا اشتدَّ عَطَشُه . وهو ظَمِئٌ وظَمْآنُ , والأُنثى ظَمْأَى ، وقوم ظِماءٌ . أَي : عِطاشٌ . ورجل مِظْماءٌ : مِعطاشٌ ، وظَمِئَ إِلى لِقائه : اشْتاقَ . قال الكميت :
إِلَيْكُم ذَوي آلِ النبيِّ تَطَلَّعَتْ ** نَوازِعُ من قَلْبِي ، ظِماءٌ ، وأَلْبُبُ
استعار الظِّماء للنَّوازِعِ ، وأَظْمَأْتُه : أَعْطَشْتُه . فيكون المعنى : إذا رأى السراب من هو محتاجٌ إلى الماء , يقصده ؛ ليشرب منه ؛ لأنه على حد علمه ماء يشرب , فلما انتهى إليه ، لم يجده شيئا ً. فكذلك الكفار , يُعوِّلون على ثواب أعمالهم , فإذا حاسبهم اللّه سبحانه وتعالى يوم القيامة عليها ، لم يجدوا منها شيئًا ؛ كما قال الله تعالى :﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾[الفرقان: 23]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل :« أنه يقال يوم القيامة لليهود ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد عزير ابن اللّه ، فيقال كذبتم ، ما اتخذ اللّه من ولد ، ماذا تبغون ؟ فيقولون : يا رب عطشنا فاسقنا ، فيقال : ألا ترون ؟ فتتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا ، فينطلقون فيتهافتون فيها » . صحيح مسلم بشرح النووي ، للإمام النووي كتاب. باب معرفة طريق الرؤية .
فالسراب كما فهمه السلف الصالح وعلماء اللغة العربية أنه فيما لا حقيقة له . وكانت العرب تضرب به المثل في الكذب ؛ فمن أمثالهم :« السَّرَاب أكْذَبُ مِنْ يَلْمَع » . وقال الشاعر :
وإنك ، والتماس الأجر بعدي ** كباغي الماء يتبع السرابا
فالسراب في الحقيقة خدعة بصرية يحسبه الرائي ماء لا وجود له .
السبق العلمي لدراسة ظاهرة السراب:
كان السبق في دراسة هذه الظاهرة إلى علمائنا المسلمون الكبار وعلى رأسهم صاحب كتاب المناظر في البصريات العالم المسلم الحسن ابن الهيثم البصري الذي كان رائداً في هذا المجال وكان أول من أعطى تفسيراً لهذه الظاهرة بشكل علمي وفيزيائي.
ثانيًا- تفسير السراب من الناحية العلمية :
يعتبر انتشار الضوء على هيئة خطوط مستقيمة ومتوحدة الخواص إحدى المسلمات الأساسية في علم البصريات ، حيث ينتشر الضوء بالوسط الشفاف والمتجانس وموحد الخواص على هيئة خطوط مستقيمة ، طالما لم يعترضه عائق . ويتميز الوسط البصري بوجود معامل يطلق عليه : معامل الانكسار الذي يقيس سرعة الضوء بهذا الوسط . فكلما زاد هذا المعامل ، كلما كانت سرعة انتشار الضوء بالوسط صغيرة . ويتوقف معامل الانكسار للهواء على كثافته ، وبالتالي على درجة حرارته . فكلما زادت كثافة الهواء ، كلما انخفض معامل الانكسار . ويتكون السراب نتيجة لانكسار الضوء في الهواء ، وهو يحدث عندما تكون طبقات الهواء القريبة من سطح الأرض أقل كثافة من طبقات الهواء الأعلى . فعندما تسطع الشمس في أيام الصيف في الصحراء ، أو على الطرق المرصوفة ، ترتفع درجة حرارة سطح الأرض ، وترتفع درجة حرارة طبقة الهواء الملامسة والقريبة من سطح الأرض ، فتتمدد وتقل كثافتها ، وكذلك كثافتها الضوئية ومعامل انكسارها . وبذلك يزداد معامل انكسار الهواء تدريجيًّا ، كلما ارتفعنا إلى أعلى ، حيث يبرد الهواء .
تعريف ظاهرة السراب :
هي خدعة بصرية ( ضوئية ) تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة ، من اشتداد درجة الحرارة والأرض المستوية ، واختلاف في معامل الانكسار ، مما يجعلها في حالة توهج شديد ، حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض ؛ ليعكس صورًا وهمية للأجسام ، وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة . وترجع تسمية السراب عند العرب إلى سرب الماء . أي : جريه . أما التسمية الإنكليزية لهذه الظاهرة فتعود إلى كلمة/ mirage / وتعني : المرآة باللغة الفرنسية .