هل الإنسان مسيّر أو مخيّر؟؟؟
كثيرا ما ينتابنى تساؤل قد يخطر ببال الكثيرين ..وهو إذا كان الله قد كتب علىّ
ما أفعله .. وإذا كان فعلى وعملى وقولى يكون كما كتبه الله لا أستطيع تغييره ..
فكيف يحاسبنى الله على قول أو فعل قد كتبه علىّ ؟؟ وفوق ذلك يجب علىّ أن أؤمن بالقضاء والقدر؟؟
هذا سؤال سأله لى سائل فافترضت أنه حسن النية فى سؤاله وكتبت له الإجابة فأردت
أن أبسطها بين أيديكم لعلها تشفى غليل سائل منكم .. أو أحظى بنقد يضفى على
الموضوع زيادة من الوضوح .
مع خالص تحياتى
القضاء والقدر
القضاء والقدر موضوع سهل وبسيط لمن أراد فهمه واستيعابه . وهو موضوع يخص إيمان المسلم وصلب عقيدته . ولن يجد طعم الإيمان من لم يؤمن به.
وتمهيدا للموضوع نبدأ فنقول ...!!
إن الله سبحانه وتعالى رب العالمين وإله الخلق أجمعين يعلم السر وأخفى ويعلم
ما كان وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف كان يكون سبحانه وتعالى ..... أليس
كذلك ؟؟.
وكونه سبحانه يعلم .... فماذا تتوقع من علمه جل شأنه ؟؟
هل لعلمه حد ؟؟ لا بالطبع .
فعلمه مطلق العلم بالغيب والشهادة !!
هل يعلم الله ما سأفعله غدا ؟؟ بالطبع فإن لم يكن يعلم ما أنا فاعله غدا فكيف يكون علمه إذن ؟ وكيف يكون رب وإله سبحانه وتعالى ؟؟
فهو يعلم ما سيفعله الإنسان غدا وبعد غد وهكذا حتى ممات الإنسان . ويعلم أيضا
الأعمال التى ينوى فعلها العبدو كذلك الأعمال التى كان ينوى أن يفعلها ثم
عدل عن فعلها .
بمعنى لوأخذ أحدنا سكينا ليقتل شخصا ما ...فالله يعلم ذلك ....... ثم لو عدل عن قتله فهو يعلم أنه سيعدل عن قتله ..ثم قرر ثانية قتله فهو يعرف كل هذه التعديلات مسبقا .
سؤال آخر : هل يتدخل الله سبحانه وتعالى فى صياغة سلوكك .؟ هل حينما يقرر إنسان
قتل آخر وعدل عن قتله أو قتله هل الله سبحانه وتعالى هو الذى دفع هذا
للقتل وذاك ليعدل عن القتل كلا ... كل أعمالك تفعلها بحرية مطلقة ... ولكن
الله يعلمها علما مطلقا مسبقا . أليس كذلك
سؤال : هل تستطيع عمل شئ يسبق علم الله ... أى قبل أن يعلمه الله ؟؟ كلا بالطبع
.... لأن الله يعلم ماستفعله وأنت فى بطن أمك .. هل فى ذلك شك .. بل يعلم
كل شى سيفعله كل إنسان قبل خلق الخلق أصلا .. هل هذا مشكلة .. أليس هو رب
العالمين وإله الناس أجمعين المنزه عن كل نقص . وهذا من كمال صفاته سبحانه وتعالى .
هل تستطيع فعل شئ لايعلم الله أنك تفعله ...كلا .. هو يعلم كل أعمالك وأفعالك اقوالك التى تفعلها بمحض اختيارك .
ويمكن صياغة الكلام بصيغة أخرى :
إن الإنسان لايفعل شيئا إلا كان فى علم الله .. فأنت تفعل الفعل كما فى علم
الله . وهو فعلك فعلته بمحض إرادتك . أى أن الله سبحانه علم أعمالك كلها
قبل أن تفعلها . فأنت تعمل ما فى علم الله سبحانه وتعالى .
وهنا يطرأ سؤال لابد منه .......هل هناك مشكلة أن يكتب الله تلك الأفعال والأقوال عليك فى كتاب . ليست هناك أية مشكلة بالطبع
وحيث أنك تفعل ما فى علم الله المسبق فكذلك كان عليك أن تفعل ماكتبه الله عليك
ولاتحيد ..لماذا لأن الله كتب الفعل النهائى الذى ستفعله .
فلو فرضنا أن رجلا قتل آخر . فإن ذلك مكتوب عليه أن يفعله . هل معنى ذلك أنه
يجبر على القتل أم أن القتل عُلم بعلم الله أنه واقع فكتب على هذا الرجل .
وهذا هو القضاء والقدر.....تفعل ماهو مكتوب من أفعال تفعلها باختيارك المطلق
ولا سلطان عليك . هل معنى ذلك ..أن الذى قتل وهو مقدّر له القتل أى مكتوب
فى كتابه أنه يقتل ..هل معناها أنه أجبر على القتل . كلا
فكل ما تفعله مقدر يعنى مكتوب ...بعلم الله المسبق لاتدخل فى إختياراتك
...إنما هو حصر مسبق لأعمالك... ومن هنا كان القدر أو المكتوب المسبق علامة
على ربوبية الله وتفرده فى صفاته سبحانه وأنه هو الإله الحق جل شأنه ...
ومن هنا نقول هل عندك شك الآن أن كل أفعالك وأقوالك مقدرة ( يعنى مكتوبة ) دون إجبار عليك . لذلك ستفعلها كما كتبت وتحاسب عليها محاسبة تامة .
لا أظن أن هناك شكا الآن
*****************
ومن جهة أخرى نعلم أن الإنسان قد يصيب رزقا قليلا ببذل مجهود كبير . و ربما
يصيب رزقا وفيرا بمجهود قليل وربما لم يصب رزقا مطلقا بمجهود كبير. لأن
الله يقدر الأرزاق وما على المرء إلا السعى
وترى أن الله يرزق المسلم وكذلك الكافر لأنه خالقه ورازقه .
من ناحية ثانيةقد يصيب الإنسان ضررا لا دخل له فيه ..
فيصاب بحادث أو حريق أو سقطة أو .................أو كل ذلك قد يصيبه
نتيجة سعيه فى الحياة .. وقد يصح من هذه الإصابات أو قد يموت ولكنها تصيبه .
والسؤال هنا هل يصاب المرء بهذا باختياره أم رغما عنه ...؟؟؟ الإجابه أنه يصاب
بذلك رغما عنه .... ولوإستطاع لمنع ذلك . ومن هنا لايحاسب المسلم على ذلك
ويجزى الجزاء الأوفى على صبره وتسليمه بالقدر الحادث لأنه مقدرفى كتابه .
وكل هذه إختبارات يستدل بها على قوة إيمان المرء ...
فإن قلت وهل يحتاج عالم الغيب إلى معرفة قوة إيمان المرء .... أقول لك بالطبع
لا .. إنما تعرف أنت قوة إيمانك وصبرك حتى لاتدّعى ما ليس فيك من الصبر والرضا .
وكل هذه الحادثات يعلمها الله مسبقا ويكتبها لك لتحدث معك حسب ما كتبها الله .
ولكن ..... يجب أن تعلم أن الله لا يحاسبك على شئ لا تفعله باختيارك والأدلة كثيرة على ذلك :
(فى سنن ابن ماجة ) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . تحقيق الألباني : صحيح
حديث : " رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبى حتى يبلغ , و عن النائم حتى يستيقظ , و
عن المجنون حتى يفيق " .قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 7/111 : * صحيح .
ونأتى لخلاصة القول فنقول :
أولا : أى فعل أنت مسيّر فيه مجبر على فعله ... لا وزر عليك فيه كما سبق . وكل فعل أنت مخيّر فيه تفعله باختيارك أنت محاسب عليه .
ثانيا : كل افعالك وأقوالك مقدرة عليك أى مكتوبة .. منها ما تفعله باختيارك ومنها ما يقع رغما عنك ..
ثالثا : أى أمر يصيبك يعطل فائدة ظاهرة كنت ستصيبها ...أو يقع من وراءه ضررا
ظاهريا .. لابد أن تؤمن به دون تضرر أو تبّرم لأنه أمر كتبه الله مسبقا وهى
من الأفعال التى أنت مسيّر فيها فإيمانك بها يثقل ميزانك ...وهذا هو مطلبك
النهائى فى هذه الحياة
ويقول عبادة ابن الصامت لإبنه :
يابنى إنك لن تجد حقيقة طعم الإيمان حتى تؤمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك .
( فى سنن أبي داود )
عن أبي حفصة قال قال عبادة بن الصامت لابنه يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول ما خلق الله القلم فقال له
اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة
يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات على غير هذا فليس مني .تحقيق الألباني : صحيح
(فى سنن ابن ماجة )
عن ابن الديلمي قال وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد عليّ ديني
وأمري فأتيت أبيّ بن كعب فقلت أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا
القدر فخشيت على ديني وأمري فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به فقال
: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه
لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو
كان لك مثل جبل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى
تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك
وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار ولا
عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله فأتيت عبد الله فسألته فذكر
مثل ما قال أبي وقال لي ولا عليك أن تأتي حذيفة فأتيت حذيفة فسألته فقال
مثل ما قالا وقال ائت زيد بن ثابت فاسأله فأتيت زيد ابن ثابت فسألته فقال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه
لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو
كان لك مثل أحد ذهبا أو مثل جبل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله ما قبله منك
حتى تؤمن بالقدر كله فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن
ليصيبك وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار .تحقيق الألباني : صحيح
هذا ما يحضرنى الأن .... فإن كان صوابا فمن الله وإن كان من خطأ أو سهو أو
نسيان فمنى ومن الشيطان والله منه براء.... وأستغفر الله العظيم