أنا أغنى الشركاء عن الشرك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
قال الله تبارك وتعالى : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك
فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه الإمام..
عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله تبارك وتعالى :
( أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه الإمام
مسلم ، وفي رواية
ابن ماجه ( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ) .
معنى الحديث أنا غني عن أن يشاركني غيري ، فمن عمل عملاً لي ولغيري لم أقبله منه ، بل أتركه لذلك الغير .
الترهيب من الرياء جاءت
نصوص الكتاب والسنة بالترهيب من أن يقصد الإنسان بعبادته غير الله ،
وعدَّت ذلك من عظائم الذنوب بل من الشرك بالله ، لأنه ينافي الإخلاص الذي
يقتضي أن يقصد المسلم بعمله الله وحده لا شريك له ، قال سبحانه : {
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }(البينة
5) ، والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض نفسه الدنيئة ،
واستعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله ، وهو تلاعب بالشريعة واستهانة بمقام
الألوهية ، ووضع للأمور في غير مواضعها ، وقد توعد الله صنفاً من الناس
يراؤون في صلاتهم بالويل والهلاك فقال : {
فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون }
( الماعون 4-7 ) ، وبين سبحانه أن الذي يريد بعمله عاجل الحياة الدنيا
فإنه يعجل له فيها ثوابه إذا شاء الله ، ومصيره في الآخرة العذاب الشديد
والعياذ بالله ، لأنه لم يخلص العمل لله فقال سبحانه :
[size=12][size=12]{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا }[/size][/size]( الاسراء 18) ، وجعل مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات أهل النفاق فقال سبحانه :
{وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس } (النساء
142) وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة خطورة الرياء على
دين العبد وعاقبة المرائين ، ومنها حديث الباب ، وحديث الثلاثة الذين هم
أول من يقضى عليهم يوم القيامة وهم شهيد ، وعالم ، ومنفق ، وغيرها من
الأحاديث .
تعريف الرياء عرف
العلماء الرياء بتعريفات مختلفة ، ومدار هذه التعريفات على شيء واحد وهو :
" أن يقوم العبد بالعبادة - التي يتقرب بها إلى الله - لا يريد بها وجه
الله عز وجل وحده بل يريد بها عرضاً دنيوياً أياً كان هذا العرض " ، وفرقوا
بين الرياء والسمعة بأن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، وأما السمعة فالعمل
لأجل سماعهم ، فالرياء يتعلق بحاسة البصر ، والسمعة بحاسة السمع ، وفي
الحديث
( من سمَّع سمَّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به ) رواه
البخاري .
دواعي الرياء أخبر
الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر مما
يخاف عليهم من المسيح الدجال ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(
ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قلنا : بلى ، فقال :
الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل ) رواه
ابن ماجه بإسناد
صحيح ، وما ذاك إلا لأن الداعي إلى الرياء قوي في النفوس ، ومغروس في
الفطر ، فالنفوس مجبولة على حب الثناء والمنزلة في قلوب الخلق ، وتجنب الذم
واللوم ، كما قال القائل :
يهوى الثناء مبرِّز ومقصر حبُّ الثناء طبيعة الإنسان ولذلك حصر بعضهم الأمور التي تدعو إلى الرياء في ثلاثة أشياء : " حب المحمدة ، وخوف المذمة ، والطمع فيما في أيدي الناس " .
مظاهر الرياء تتنوع
صور الرياء ومظاهره على حسب الأعمال والعبادات التي يتقرب بها المرء ، فقد
يرائي الإنسان مثلاً بإظهار بعض الأمور التي تدل على مبالغته واجتهاده في
العبادة ، فربما راءى بإظهار النحول والاصفرار وذبول الشفتين ليستدل بذلك
على الصيام ، وقد يحرص مثلاً على إبراز أثر السجود في جبهته ، وقد يكون
الرياء بالنطق واللسان ، فيتعمد إظهار العلم والحفظ وإقامة الحجة عند
المجادلة والخصام ليعرف الناس مدى علمه وقوة حجته ، أو يجهر بذكره لله عز
وجل ليعرف الناس أنه ذاكر ، وقد يرائي بعمله كأن يطول في الصلاة ، ويزيد في
الركوع و السجود إلى غير ذلك مما لا يقع تحت حصر ، كما قال الإمام
ابن القيم رحمه الله : " وأما الشرك فى الإرادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه " .
حكم العمل المراءى به العمل لغير الله على أقسام كما ذكر ذلك الإمام
ابن رجب الحنبلي ،
فإما أن يكون الرياء في أصل العبادة كأن يؤدي الإنسان العبادة بحيث يريد
بها غير الله ، أو يريد بها الله عز وجل مع غيره من المخلوقين ، فلا شك في
أن العمل يبطل حينئذ ، وصاحبه آثم معرض للعقوبة ، وهو الذي جاءت فيه النصوص
الصحيحة الصريحة ومنها حديث الباب ، وإما أن لا يكون الرياء في أصل
العبادة بل في وصفها كمن يريد بصلاته الله عز وجل ، فيدخل فيها وهو يريد أن
يقَصِّر القراءة فيها والركوع والسجود ، فيعرض له خاطر بإطالة الركوع
والسجود لما يرى من نظر الناس ورؤيتهم له ، فأصل العمل هنا كان لله ثم طرأت
عليه نية الرياء بعد ذلك ، فهذا إن كان خاطراً ودفعه فإنه لا يضره ، وأما
إن استرسل معه ، فقد اختلفت عبارات السلف هل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك
ويجازى على أصل نيته ؟ والذي رجحه الإمام أحمد وغيره أن عمله لا يبطل بذلك ،
وأنه يجازى بنيته الأولى ، إلا أنه ثوابه على عمله هذا لا يكون تاماً ، بل
ينقص بسبب ريائه ، ولا يبعد أن يكون على خطر عظيم .
وأما
إذا عمل العمل لله خالصاً، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين
، ففرح بذلك واستبشر ، فإن ذلك لا يضره ، وفي هذا المعنى جاء حديث
أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير ، ويحمده الناس عليه؟ فقال:
( تلك عاجل بشرى المؤمن ) رواه
مسلم .
ترك العمل خوف الرياء وقد
يعالج البعض الخطأ فيقع في خطأ مثله أو أشد منه ، فإذا أراد أن يقوم بطاعة
أو أي عمل من أعمال الخير وعرض له عارض الرياء ، خشي من هذا الخاطر ،
فيترك العمل خوف الرياء ، وهذا في الحقيقة هرب من شر ليقع فيما هو مثله أو
أشد ، وقد نبه العلماء على هذا المزلق الخطير وحذروا منه فقال
الفضيل بن عياض : " ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما " .
علاج الرياء وأخيراً
فليس أمر الرياء بالأمر المستعصي عن العلاج ، صحيح أنه يحتاج إلى مشقة
ومجاهدة أفصحت عنها عبارات الصالحين من سلف الأمة ، فقد قال الإمام
أحمد رحمه الله : " أمر النية شديد " ،وقال
سفيان الثوري : " ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي " ، وقال
يوسف بن الحسين :
" أعز شيء في الدنيا الإخلاص ، وكم اجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي " ،
ولكنه مع ذلك ليس بالأمر المستحيل ، إذ من المحال أن يكلفنا الله ما لا
نطيق ، ولذلك فإن من الأمور التي تعين العبد على علاج الرياء الاستعانة
بالله والتعوذ الدائم به وفي الحديث عن
أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال :
(
يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء
الله أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله : قال :
قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه
) رواه
أحمد ، ومنها معرفة
حقيقة الرياء وأسبابه وقطعها من قلب العبد ، ومنها النظر في عواقب الرياء
الدنيوية والأخروية ، والحرص على إخفاء العبادة وإسرارها ، وأن يكون للعبد
خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه إلا ربه ومولاه جل وعلا .