الكلمة
هي صلة الوصل بين الإنسان والعالم من حوله، وهي من
الصفات التي تميَّز بها
الإنسان عن سائر المخلوقات، وهي الوسيلة التي
تجعل العبد من أصحاب الجنة
أو من أصحاب الجحيم.
وقد
أولى القرآن الكريم عناية خاصة بهذه الوسيلة، فحض المؤمنين على التحلي
بخير الكلام وأحسن القول.
فوصف سبحانه الكلمة الطيبة
بالشجرة الطيبة التي {
أصلها ثابت وفرعها في السماء }
(إبراهيم:24). وأمر المؤمنين من عباده أن يقولوا {
للناس حسنا } (البقرة:83)، وأن يقولوا {
لهم
قولا معروفا } (النساء:5). وأخبر تعالى أنه {
إليه يصعد الكلم الطيب } (فاطر:10).
وفي
هذا الصدد يأتي قوله تعالى: {
يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } (الأحزاب:70). فالآية الكريمة تأمر
المؤمنين بالقول السديد. فما هو القول السديد، وماذا يترتب عليه من نتائج؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، نستبق ذلك بثلاثة تنبيهات:
أولها:
أن ابتداء الآية بنداء {
الذين آمنوا }، إنما
هو للاهتمام بمضمون هذا النداء، ولفت الانتباه إليه.
ثانيها:
أن النداء بـ {
الذين آمنوا }، فيه تعريض بأن
الذين يصدر منهم ما يؤذي الناس قصداً، ليسوا من المؤمنين حق الإيمان.
ثالثها: أن تقديم الأمر بالتقوى مشعر بأن ما سيؤمرون به
من القول السديد هو من شُعَب التقوى كما هو من شعب الإِيمان.
بعد
هذه التنبيهات المهمة، نأخذ بشرح بعض ألفاظ الآية، وفق التالي:
(القول):
هو الكلام الذي يصدر من فم الإنسان، يُعَبِّر به عما في نفسه.
و(السديد):
الذي
يوافق السداد. و(السداد): الصواب والحق، ومنه تسديد السهم نحو الهدف،
أي:
عدم العدول به عن وجهته المقصودة، بحيث إذا اندفع إليه أصابه.
ثم
إن
(القول السديد) يشمل الأقوال الواجبة، والأقوال الصالحة النافعة، مثل:
ابتداء
السلام، والكلمة الطبية التي تدخل السرور إلى قلب المؤمن، والإصلاح
بين
الناس.
ويشمل
(القول السديد) ما هو عبارة عن
إرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء
والحكماء. فقراءة القرآن على الناس من
القول السديد، ورواية حديث الرسول
صلى الله عليه وسلم من القول السديد.
وفي الحديث: (
نضَّر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها،
فأداها كما سمعها )، رواه الترمذي. وكذلك نشر أقوال الصحابة
والحكماء وأئمة الفقه.
ومن
(القول السديد) تمجيد الله
والثناء عليه مثل التسبيح. فبالقول السديد تشيع
الفضائل والحقائق بين
الناس، فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيء تشيع
الضلالات والأوهام،
فيغتر الناس بها، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً. و(القول
السديد) يشمل
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
و(القول) كما
يكون باباً عظيماً من أبواب الخير، فهو يكون كذلك باباً من أبواب الشر. وفي
الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (
وهل يَكُبُّ الناس
في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )،
رواه الترمذي. والآية
بمفهومها المخالف تفيد النهي عن ضد (القول السديد)،
وهو القول الذي ليس
بسديد. فـ (القول السديد) لا يكون حتماً إلا بمراعاة
أمانة الكلمة
وضوابطها.
وقد رتبت الآية الكريمة على (القول
السديد) جملة من النتائج، عبرت عنها الآية التالية لها، وهي قوله تعالى: {
يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم }
(الأحزاب:71)،
فالقول السديد يقود إلى العمل الصالح، والله سبحانه يرعى
المسدَّدَين،
ويقود خطاهم، ويصلح لهم أعمالهم؛ جزاء التصويب والتسديد.
والله يغفر
لذوي الكلمة الطيبة والعمل الصالح؛ ويكفر عن السيئة التي لا
ينجو منها
الآدميون الخطاؤون. ولا ينقذهم منها إلا المغفرة والتكفير.
وعلى
ضوء
المقدمات والنتائج التي قررتها هذه الآية الكريمة، نستطيع أن ندرك
أهمية
الكلمة الحسنة، والقول السديد في حياة الأفراد والأمم معاً؛ فكم من
كلمة
صوبت مسيرة إنسان كان يسلك طريق الضلال! وكم من كلمة أودت بحياة
إنسان
كان يعيش في خير وأمان! وكم من كلمة صنعت سلاماً وأمناً! وكم من
كلمة
صنعت حرباً ودماراً! وواقع الأفراد، وتاريخ الأمم خير شاهد على ذلك. {
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } (الأحزاب:4).