مصدر الموضوع الاصلي: { تنبيهُ الأنامِ لما في الأذانِ من أخطاءَ وأوهامْ }
( الأَذَانُ )
الأذانُ والإقامةُ من شعائرِ الإسلامِ التعبديَّة الظاهرةِ، المعلومةِ من الدينِ بالضَّرورةِ بالنصِّ وإجماعِ المسلمينَ، ولهذا فالأذانُ من العلاماتِ الفارقةِ بَينَ بلادِ الإسلامِ وبلادِ الكُفرِ، وتوارَثَ الأجيالُ على مدِّ العصورِ من قديمٍ على فعلِه, كما حُكي الاتِّفاقُ على أنه لو اتفق أهلُ بلدٍ على ترْكهما لقُوتلوا. قال الشيخ الحنبلي مراد شكري في نونيتِهِ :
إن الأذان كما الإقامةِ لازمٌ *** أهل القرَى للخمس والبلدانِ
كما قد شُرع الأذانُ في السنةِ الأولَى مِن الهجرةِ, لذا أحببت وضع تنبيهات مهمَّة مقتبسةٍ من كلام العلماء المتقدمين والمعاصرين لما رأيت من العجب الكبير الذي يفعله المؤذنون, ثم ذكرتُ بعض الأحاديث الواردة في فضله, وإن لم أوافِ حق الأذان من أدلة ومسائل وأقاويل للفقهاء –رحمهم الله- وتعريفاتهم, لكن أردت بهذا العمل (مذكرةً) لتذكير إخواني المؤذنين بتأذينهم الذي قد يوصل إلى البطلان .
( شُروطُ الأذانِ والمؤذِّن)
1- أن يكون عالماً بدخولِ الوقتِ, فلا يصح الأذانُ قبلَه أو بعدَه, لأنَّ الأذانَ بمعنى الإعلام , أيْ : إعلامُ الناسِ أنَّ الوقتَ قد دخلَ . ولا بأسَ بالعمل (بالتقويمات) لأنها مبنيّةٌ على العلمِ والنظرِ, فتكون بمنـزلةِ المخبر, ما لم يثْبتْ تقديمُها الأذانَ كما في بعض الدولِ. قال الشيخ الألباني –رحمه الله- بعد بيانه تفريط الناس في وقت أذانهم وربطهم بمواقيت ملزمة قد تكون خاطئة, وسببه "الجهل" : لعل من كان يملك أذانه من المؤذنين، ومن كان من الحكام الغيورين على أحكام الدين يهتمون بالمؤذنين وتوجيههم أحكام دينهم وأذانهم، ويمكنونهم من أداء الأمانة التي أنيطت بهم، وهم يعلمون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". الصحيحية (15/16) .
2- وجودُ النـيَّة, فلا يصح من الصبيِّ غير المميّز, والمجنونِ والسكرانِ .
3- أن يكونَ ذكراً, لأنه ليسَ على المرأةِ أن تُؤذن على الصَّحيح, لأنَّ ذلك لم يُعهد إسنادُه إليها ولا تَولّيها إياهُ زمنَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا في زمنِ الخلفَاءِ الراشدينَ -رضي الله عنهم-, وهو ليس من أعمَالها, وأذانهُا لا يُجزئُ عند الجمهور .
4- أن يكون عدلاً أميناً, فقد ثبت "المؤذن مؤتمنٌ", ويكره أذان الفاسق غير المجاهر بفسقه عند شيخ الإسلام. كما أنّ الأولى أن يكون هناك مؤذنٌ راتبٌ مسئولٌ . قال الشيخ الحنبلي مراد شكري جامعاً شروط ما ذكرنا :
مِن مسلم ذكرٍ وعدلٍ عاقلٍ *** ومميّزٍ بل ناطقٍ بلسـانِ
5- عدم التطويل في الأذان والتمطيط والتلحين فلا نعلم له أصلاً، بل السنة أن يؤذن الأذان الشرعي بحيث يكون معتدلاً . قال الشيخ صالح الفوزان:ويستحبُ أن يتمهَّلّ بألفاظ الأذان من غيـر تمطيط ولا مد مفرط.اهـ ولا يستدل جوازه بقوله "أندى صوتا" .
6- الترتيب في الأذان، لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام , فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا, وعّلمه النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة مرتباً, والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد، فلو نَكَّسَ لم يجزئ, ووجب الإعادة .
7- الموالاة, حيث إن كلَّ واحد منهما عبادة، فاشترطت الموالاة بين أجزائها كالوُضُوء، فلو كبَّر أربع تكبيرات ثم انصرف وتوضَّأ ثم أتى فأتمَّ الأذان، فإن هذا الأذان لا يصحُّ، بل يجب أن يَبْتَدِئَهُ من جديد . إلا إذا قَصُر الفصل كعارض فإنه لا يلزم الإعادة .
8- وجوده من الشخص بذاته, فلا يصح من مسجّلٍ أو مذياع أو رجال يتناوبونه, وهو ما يعرف "بالموحد" لما فيه من المخالفات الشرعية الكثيرة, ومن البدع المحدثة, منها: أنه قد يُبدأ به وقد صار في نصفِ إذانهِ. ومنها: قد يصحبُه في آخره أو أثنائه أو حينَ ابتدائه بعضاً من الأصوات المحرمة. لذا كانت العبادات توقيفية, فلا يردّ خلفه إنما هو صدى تأذين أمّا الأذان المسجل الذي يذكر بوقت الصلاة لا بأس به. أما إن كان أذاناً شرعياً يُعرف به دخول الوقت، ويؤذن به لجميع الناس، ويكون بديلاً للمؤذن فلا يصح، وليس هو الأذان المطلوب شرعاً. وهذا قرار علمائنا المعاصرين والمجمع الفقهي الإسلامي .
قال الشيخ مراد شكري الحنبلي جامعا ما ذكرنا:
ومرتّباً متوالياً في وقتـه *** من واحدٍ والصوتُ ذو رفعانِ
9- عدم الزيادة أو النقص أو تغيير المعنى المبطل أو المؤثم, وذلك مثل : "حي على خير العمل" و " أشهد أنّ عليا وليّ الله" و بعد الأذان "أقبلوا هداكم الله" وغيرها.
كذلك قول المؤذن "التصبيح" : أصبح ولله الحمد . و"التحضير" : حضرت الصلاة رحمكم الله . و"التأهيب" قبل صلاة الجمعة : الوضوء للصلاة . و"الترقية" بعد الأذان الثاني من يوم الجمعة : إن الله وملائكته... وحديث : إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت . و"الترضي" بعد أذان الفجر : رضي الله عليك يا شافعي أو حسين ....ونظمُ بعد الأذان : أمّة خير الأنام . وقل ما شئت من البدع المحدثة (والله المستعان) .
( تَنبِيهَاتٌ ومُستَحَباتٌ قبلَ الأذانِ )
1- أن يكون المؤذن صيّتاً, وذا صوت جميل قال النبي عليه السلام عن أذان بلال "هو أندى صوتاً" وذلك أنَّه أبلغُ في الإعلامِ .
2- يفضّل للمؤذن أن يختار مكانا مناسبا يسمع فيه الناس الأذان ذلك إن لم يكن ثمة ميكرفونات بل في الفيافي والصحاري والقفار أو لافتقار وجود مكبرات صوت, كذا مع وجودها فقد ثبت في الحديث "يغفر للمؤذن مدى صوته" .
3- قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 1/ 248 ):" الْمُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْجَنَابَةِ جَمِيعًا " ويدخل المسجد ولو كان جنباً على القول الراجح .
4- لا يجوز عقد إجارة للتأذين، بأن يستأجرَ شخصاً يؤذِّن أو يُقيم؛ لأنهما قُربة من القُرَب وعبادةٌ من العبادات، والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة عليها. أما الجعَالة؛ بأن يقول: من أذَّن في هذا المسجد فله كذا وكذا دُونَ عقدٍ وإلزام فهذه جائزة؛ لأنَّه لا إلزام فيها، فهي كالمكافأة لمن أذَّن، ولا بأس بالمكافأة لمن أذَّن، وكذا الإقامة, لكن إن لم يوجد متطوعونَ فيحلَّ وضع مؤذّن بنفقةِ بيت المال.
5- السنة أن يؤذن المؤذنُ قائماً، كما كان يفعل مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكما سار عليه المسلمون إلى يومنا هذا، وانعقد عليه إجماع الكافة، فإن أذن قاعدا أو مضجعا لغير عذر، صح أذانه مع الكراهة .
6- يتأخر بعضهم عن الأذان إذا كان يوم صومٍ بشغله بأكل وشرب , والناس تنتظر أذانه , فلا يحق له الأكل والشرب كثيراً بحيث يتأخر, أما إن كان يسيراً كشربة ماء, أو كان في الحيّ وحده فيؤخر الأذان , فلا حرج في ذلك .
7- قراءة القرآن في مكبرات الصوت قبُيل الأذان بزمن من البدع المحدثة في هذا الزمان, وهو تشويشٌ وإزعاجٌ . كذلك الأذان على الميت في القبر بدعة محدثة , والأولى : الدعاء له .
8- التعوّذ والبسملة قبل الأذان, فلم تنقل كتب الحديث والآثار أيّ أصل يمكن أن يُعتمد عليه في الحكم بمشروعيته، سواء بالنسبة للمؤذن أو لمن يسمعه، ويتعذر القياس في التعبدات لعدم إدراك العلة الجامعة بين الأصل والفرع، وعليه فلا يشرع ذلك .
9- يستحبُّ أن يكون الأذان في المسجد, والمؤذن هو من يقيم, وحديث "من أذن فليقم" ضعيف الإسناد, ويقيم في موضع أذانـه, ويرفع بصره ووجهه إلى ناحية السماء .
10- قال ابن قدامة في "المغني": وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَذَانِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ شَخْصَيْنِ، كَالصَّلَاةِ " انتهى منه بلفظه .
( تنبيهاتٌ ومستحباتٌ في الأذان )
(أ) يفضّل للمؤذن أن يكون سليمَ النطق فلا يكون عنده لُكنة أو لَثغة في لسانه أو تغنٍ أو تلحين, والسليم أولى من غيره, والمؤذنون كثير منهم لا يحسن الأذان باللفظ الصحيح فأخطاءهم على مراتب:
1- قولهم: آآللهَ أكبرَ, بمد "آلله" فبمدِّ ألف لفظ الجلالة إشعارٌ بالاستفهام. كذلك نصب" أكبرَ " فهذا لحنٌ . وإعرابه/ اللهُ : مبتدأ مرفوع. وأكبرُ: خبر مرفوع. فلا يصح بحال نصبه . وأمَّا ما رويَ " التكبير جزمٌ " فيظنّها بعضهم حديثا للنبي عليه السلام, وهذا لا أصل له البتة, بل هي مقولة عند أهل اللغة عن إبراهيم بن يزيد النخعي, وهو تابعي صغير -يروي عن بعض أصحاب ابن مسعود- وليس معناه : اجزم في تكبيرك بقول " اللهْ أكبرْ " لأنه مخالفٌ للّغةِ! . والصحيح في معناه : التكبير جزم أي اخطفْ فلا يمد بـ اآلله .
2- قال الإمام النووي رحمه الله : " قال أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول :كل تكبيرتين بنفس واحد , فيقول في أول الأذان " الله اكبر الله اكبر" بنفس واحد , ثم يقول: " الله اكبر الله اكبر" بنفس اخر .ثم قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" : " وهذا إنما يتأتى في أول الأذان, لا في التكبير الذي في آخره". كما في الصحيح عند مسلم .
3- مدّ الألف من اسم "الله" ومن "الصلاة" و"الفلاح" زائداً على ما تكلمت به العرب فهذا لحن وتطريب .
4- قولهم: أكبار بالتمديد , ومعناه : الطبل. أو إكبار فهو في بعض اللغات معنى للحيض , ومنه قول الشاعر : ........ ولا *** يأتي النساء إذا أكبرن اكباراً . فهذا لا يحل وإن لم يقصد فعله ويجب التنبّه لمثلِهِ .
5- إشباع حركة الضم في قوله ( اللهُ أكبر) فتجده يقول: (الله وكبر) والصحيح أن يظهر النطق بالهمز في قوله ( الله أكبر الله أكبر) ولكن لا يبطل به الأذان.
6- قولهم ( أشهد أنْ لا إله إلى الله ) فيقف عند "أن" والصواب أن تقول " أنْ لا إله إلا الله " بسكون النون مدغمة، ف (أنْ) هنا مخففة من الثقيلة، وإذا خففت وهي ساكنة ووليتها اللام فإنها تدغم في اللام فيقال أشهد ألا إله إلا الله . كذلك تشديدها "أنَّ " من الأخطاء في الأذان .
7- نطق الشهادة بصيغة الأمر"اشهدووا" والمشروع مضارعةُ الفعلِ بـ " أشهدُ " .
8- نطقُ ألفِ التنوينِ من " محمدا رسول الله " وهو صحيحٌ خطا لا لفظا إذ النطق الصحيح : إدغام بـ "محمد رَّسول الله" .
9- قولُهم (أشهد أن محمدٌ رسولَ الله) فيقلب الإعراب وهذا خطأ لُغوي, والصحيح قول (أشهد أن محمداً رسولُ الله ) بنصب "محمد" وضم "رسول" فالإعراب يكون: أن: حرف توكيد ولها اسم وخبر. فاسمها المنصوب : محمداً. وخبرها المرفوع : رسولُ الله .
10- أن لا ينطق الهاء في قوله (حيّ على الصلاة) فيقول (حيّ على الصلى) فيصير دعوةً إلى النار وهو من أكثر الأخطاء شيوعاً .
11- أن ينطق الهاءَ تاءاً فيقول عند الوقف : حيّ على الصلاة . والأصل في وفقه أن يكون على هاء .
12- قولهُم (حيا على الصلاة) الظاهر أنّه لا بأس به إن لم يُبالغ به, لأنَّ غايته أنه أشبع الفتحة حتى جعلها ألفاً .
13- الالتفات بالجسم كله عند قولِ "حيّ على الصلاة" و"حيّ على الفلاح" لمخالفته الحديث الذي عند أبي داود "عن أبي جحيفةَ قال: رأيتُ بلالاً يؤذن يتتبَّع فاهُ هاهنا وهاهنا.. وفي لفظ "لوى عنقَه لما بلغ "حي على الصلاة" يمينا وشمالا ولم يستـدر" وهو صحيح.
14- الالتفات وقت الفراغ من الحيعلتين, والمشروع الالتفات وقت الشروع فيهما .
15- زيادة بعضهم حرف العطف "و" في الأذان كقولهم : ولا إله إلا الله والله أكبر . فهذا غير مشروع , ولكن لا تبطل الأذان لكونها لا تغيّر المعنى .
16- إدماج الحروف بعضها ببعض, كأن يقول "حيَّعصَّلا" و"أشّـَد"ُ بحذف الهاء .
17- قولهم في إقامة الصلاة "قد قامتُ الصلاة" والصحيح" قد قامتِ الصلاة" لأن تاء التأنيث في (قامتْ) ساكنة، لكنها حركت هنا بالكسر للاتقاء الساكنين. قال الإمام ابن مالك في "الكافية" :
إن ساكـنِان ِ التقيـَا اكسر ما سـبقْ ** وإن يكنْ ليْنا ً فـحذفَه استحقّ
(ب) لا يشرعُ الأذانُ ثلاث مرات للجمعة فهوَ أمرٌ محدثٌ, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " وبقولِهِ -عليه الصلاة والسلام- " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
(ج) وُجدت في عصرنا (مكبِّرات الصوتِ) فهي غنيّةٌ عن أشياء :
1- الالتفاتُ يميناً وشمالاً 2- وضع الأصبُوع في الأذن 3- اختيار مكان مرتفع للصوت. لأنَّ الالتفات مقصودُه إيصالُ الصوتِ, ووضعُ الأصبوع لتجميل الصوت ولارتفاعه, ولكن يفضّل للمؤذن أن يضع أصبعه على أذنه في الصحراء, أو بغير وجود (المكبرات) لأنّ هذا ممّا يقوي الصوت, لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "فَلُيؤَذَّن لكم أحدكم" وقوله "لكم" يشير إلى رفع الصوت ليسمع الآخرين، فمن خفت صوته كان أذانه لنفسه, وورد في البخاري أنّه "لا يسمعُ مدَى صوتَ المؤذَّن جنُّ ولا إنَسُ ولا شيءُ إلا شَهِد لَهُ يومَ القيامِة" , كما أنّه لا يصح الإسرار بالأذان .
(د) لا يحقُّ للمؤذنِ أن يتكلم في أذانه بأمر لا ضرورة فيه, فإن طالَ في الكلام فقد حكى بعضهم بطلانه ما لم يقصُر, كما لو تكلّم بأمر محرّمٍ كالسب أو الضرب فلا يصح . أمَّا إن تكلمَ لحاجة كالعطاس جاز, ولو طال الفصل بين الأذان لزم إعادته ما لم يكن يسيراً .
(هـ) يُخطئ بعضهم بإعادة الأذان إذا انقطع التيار الكهربائي وكان هناك ثمة مساجد قد أذنت وسمع منها, بل يكمل من حيث أنشأ, أما إذا كان المسجد وحيداً فإنه يعيد الأذان حتى يَسمعَ النَّاس .
(ز) ما يفعله بعض المؤذنين من الإسراع في الأذان وحدرِ ألفاظه على وجه يشقّ على السامعين متابعته وإجابته أو الترديد معه, فالسنّة الترسل في الأذان, والحدر في الإقامة, قال –عليه السلام-: إذا أذنت فترسل وإذا أقمتَ فاحدر .
(ح) (التصلية) وهي : الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- وآله وأزواجه –جهراً- من البدع المحدثة في هذا الزمن. والمشروع : السرُّ به من غير صوت الأذان.
(ط) التثويب في أذان الفجر (الصلاة خير من النوم) يكون في الأذان الثاني الذي هو إعلام الناس لدخول الفجر, خلافا لبعض العلماء القلال, لأن الحديثَ نصّ من "الأول من الصبح" ويقال : هو الأذان الحقيقي, والإقامة الأذان الثاني, وهذا واردٌ في الشرع, فقد كان أذان بلال بدون ترجيع وأبي محذورة بترجيع كما جاء في الأثر, ونقل ابن هبيرة في "الإفصاح" الإجماع على ذلك .
(ي) "سنّةٌ مهجورةٌ" قولهم (ألا صلّوا في الرحال) في حالة البرد الشديدة والمطر, وهو ثابت في الأدلّة الصحيحة, وتقال بعد الأذان حضراً وسفراً. ولا بأس بقول "صلّوا في بيوتكم" بدل "صلّوا في رحالكم" لكون الناس قد لا يتفهمون معناها, ولكنهم يعلَّمون على هذا حتى يعمل ما عمل به من قبل .
(ك) الأذان الأول في يوم الجمعة لا يصحّ على الراجح, وإنما فعله عثمان -رضي الله عنه- لحاجةٍ, وهذه الحاجة قد زالت, فإن وجدت بمثلها صح العمل بها, وسنة الخلفاء متَّبعة, وفائدة ما ذكرناه: أنه لو جاء إنساناً إلى المسجدِ يوم الجماعة وهذا الأذان يُؤذَّن فصلِّ ولا حرج. والأذان الثاني يُؤتى به عند صعود الإمام المنبر, وهذا ما كان العمل به زمنَ الرسول –عليه السلام- وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- .
(ل) يشرع الأذان والإقامة للمقيم والمسافر, أما المقيم فإن كان منفردا جاز له وإن كانوا جماعة أو قرية فهو فرض كفاية لأنه شعار للمسلمين, ويكره تركهما عمداً ونسياناً عند الجمهور. وإن جاء الجماعة وقد فاتته شُرع له الأذان والإقامة, وشرع له تركهما والشروع في الصلاة . أما المسافر "قال ابن عبد البر: أجمعوا أنّه جائز له, محمودٌ عليه, مأجورٌ فيه".
(م) لا يشرعُ الأذان في كلٍّ من ( الكسوف,الاستسقاء,الجنازة,العيدين,التراويح, ,وقت الحرب,عند إنزال القبر الميت,في أذن المهموم أو منذر الجيش, وما لا يشرع له الاجتماع من الصلوات) والقياس على غيرها من الصلوات فاسدُ الاعتبارِ, لأنه تكرَّر كثيرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين, ولم ينقل فعل الأذان. وأجاز بعضهم الأذان في أذن المصروع لطرد الشيطان وإبعاده كما ورد عن السف –رحمهم الله- فعله .
(ن) الأذان الجماعي : ويسمّى "أذان الجوق" أو "الأذان السلطاني" باختلاف المذاهب والآراء, فلم يعلم ذلك من الإسلام, وتوافق الأديان, وهو من الاختلاف والتشتت الكبير.
( فضلُ وعِظَم الأَذانِ )
• عَنْ مُعَاوِيَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». رواه مسلم .
• قال العلماء: لَيْسَ إِنَّ أَعْنَاقَهُمْ تَطُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ يَعْطَشُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا عَطِشَ الإِنْسَانُ انْطَوَتْ عُنُقُهُ وَالْمُؤَذِّنُونَ لاَ يَعْطَشُونَ فَأَعْنَاقُهُمْ قَائِمَةٌ.
• عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ ». قَالَ سُلَيْمَانُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّوْحَاءِ. فَقَالَ هِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ مِيلاً. رواه مسلم .
• عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ ». رواه مسلم . ومعنى أحال : تحوّل من موضعه .
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا . رواه البخاري ومسلم .
• عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة . ورواية : وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون حسنة ويكفر عنه ما بينهما . صححه الألباني .
• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يغفر للمؤذن منتهى أذانه ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه . وعند النسائي رواية : وله مثل أجر من صلى معه . "صحيح الترغيب والترهيب" .
• عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يعجب ربك من راعي غنم على رأس شظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة . صححه الألباني .
• عن أبي أمامة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : المؤذن مؤتمن, اللهم اغفر للمؤذنين .. انظر حديث رقم (2787) في صحيح الجامع .
• قَالَ الْبُخَارِىُّ : وَيُذْكَر أَنَّ قَوْمًا اخْتَلَفُوا فِى الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ. وقال ابن عمر : "كنا نحدث أن أبواب السماء تفتح عند كل أذان" وقال ابن مسعود – رضي الله عنه-: لو كنت مؤذنا ما باليت أن لا أحج ولا أغزو .
• والأذان أفضل من الإمامة, لما سبق ذكر فضائل الحميدة الكثيرة, ودعاء النبي –صلى الله عليه وسلّم- بأن يغفر له وللأئمة بأن يرشدهم, والدعاء لهم بالمغفرة أكثر كمالاً من دعاء النبي لهم بالرشد .
وأخيراً / عَلى المسلمِ أن يتقيَ الله في أذانه, فيعملَ بالمشروعِ ويترُك المحدَث –قدرَ استطاعته- ما لم تكن تلزِمه وجهةُ في البلدِ , فيبادرُ المرء لهم بالنصحِ , فالدينُ النصيحةُ .قال تعالى : {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} .
وعلى المسلمِ أن يطلبَ العلمَ في أوانه وارتحالهِ , ويتفقَه في دينِه ودنياهُ , فالمرءُ من أجل العبادةِ والعملِ خُلق .