مصدر الموضوع الاصلي: قصة عيسى عليه السلام
هذه المقالة تتحدث بشكل أساسي عن الرؤية الإسلامية للنبي عيسى بن مريم، للقراءة عن الرؤية المسيحية انظر يسوع المسيح ،للمزيد من المقالات انظر صفحة التوضيح المسيح.
جزء من سلسلة
الإسلام
أنبياء الإسلام في القرآن
رسل وأنبياء
آدم·إدريس نوح·هود·صالح إبراهيم·لوط إسماعيل · اسحاق يعقوب·يوسف أيوب شعيب · موسى ·هارون يوشع بن نون ذو الكفل · داود · سليمان · إلياس عزير اليسع · يونس زكريا · يحيى عيسى بن مريم · محمد بن عبد الله
عرض • نقاش • تعديل عيسى بن مريم، نبي من أولي العزم عند المسلمين
يؤمن المسلمون بعيسى كنبي مرسل ويعتقدون أن مولده معجزة. وعدم الايمان به أو بأحد من الانبياء يعد كفرا مخرجا من ملة الإسلام بل إن النبى محمد اثنى على عيسى ثناء منقطع النظير كما ان النبى محمد أمر من قبل الله بالإقتداء بهدى هؤلاء الانبياء اجمعين في الصبر والجلد. ويصف القرآن عيسى بأنه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم بنت عمران. يذكر القرآن أن عيسى بشر ككل البشر وأن الله خلقه كما خلق آدم بدون أب، وأن أمه مريم صديقة اختارها الله لمعجزته بولادة عيسى من غير ذكر. و قد اختاره المولى ليكون نبي قومه وأيده بالمعجزات من إحياء الموتى بإذن الله وغيرها كدلالة على صدقه.
أوحي إليه الإنجيل، و أيده الله بمعجزات عديدة: كان أولها أنه ولد لأم من غير أب، و أنه تكلم في المهد، و أنه شفى المرضى بإذن الله ، وأنه خلق من الطين طيرا بإذن الله . لم يصلب ولم يقتل بل رفعه الله إليه.
ولهذا يحترمُ المسلمون عيسى ويقولون عيسى عليه السلام، ويعتبرون أنفسهم أقرب الناس إليه وأولى بموالاته.
محتويات 1 ميلاد عيسى ابن مريم
2 حياته 3 نبوته 4 رفع المسيح 5 المسيح بين الإسلام والمسيحية
6 المسيح في الديانات الإبراهيمية الأخرى 6.1 في اليهودية 6.2 في المسيحية 7 مراجع
[عدل] ميلاد عيسى ابن مريم كانت مريم تخدم بيت المقدس و قد كفلها زوج خالتها النبي زكريا و اتخذ لها محرابا و هو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سواه، واجتهدت مريم في العبادة، و قد خاطبتها الملائكة بالبشارة باصطفاء الله لها، و بأنه سيهب لها و لدا زكيا و سيكون نبيا كريما طاهرا مؤيدا بالمعجزات، فتعجبت من و جود ولد من غير والد، فلا زوج لها، فأخبرتها الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء، اذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون، فأنابت مريم و سلمت الأمر لله [1].
في سورة ال عمران: (({إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} * {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} * {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} * {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}))
و يشير القران الكريم بشكل واضح، قصة ولادة النبي عيسى في سورة مريم: } (({وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} * {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} * {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} * {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} * {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} * {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} * {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} * {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} * {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} * {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} * {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} * {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} * {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا})) (مريم ـ 16 ـ 29).
فبينما خرجت يوما لبعض شؤونها. ابتعدت مريم وحدها واعتزلت من أهلها شرقي بيت المقدس لعبادة الله واتخذت من دونهم حجابا، و لم يكن يدخل عليها أحد غير النبي زكريا ، فبعث الله اليها الروح الأمين جبريل عليه السلام، فتمثل لها بصورة بشر جميل حسن المنظر، فلما رأته خشيت منه أن يكون ليريدها بسوء فقالت له: اني أحتمي و ألتجيئ إلى الله منك ان كنت تقيا، فقال لها جبريل مزيلا لما حصل عندها من الخوف: ما أنا الا ملك مرسل من عند الله اليك ليهب لك غلاما طاهرا من الذنوب، قالت كيف يكون لي غلام، و على أي صفة يوجد هذا الغلام مني و لست بذات زوج حتى يأتيني ولد و لست بباغية، فأجابها الملك أن كذلك الأمر حكم ربك بمجيئ الغلام منك و ان لم يكن لك زوج، فان ذلك على الله سهل يسير، فان الله على كل شيء قدير، و ليكون مجيئه دلالة للناس على قدرتنا العجيبة و رحمة لهم ببعثته نبيا يهتدون بارشاده.[2][3]
فنفخ جبريل في جيب درعها فدخلت النفخة في جوفها فحملت مريم بعيسى، واعتزلت مريم إلى مكان بعيدا عن أهلها قرب بيت لحم خشية أن يعيروها بالولادة من غير زوج، فألجئها ألم الطلق و شدة الولادة إلى ساق نخلة يابسة لتعتمد عليه عند الولادة، فقالت:يا ليتني كنت قد مت قبل هذا اليوم و كنت نسيا منسيا لا يعرف و لا يذكر، لأن مريم أحست أنها سوف تبتلى و تمتحن بهذا المولود من قبل قومها، فناداها الملك من تحت النخلة أن لا تحزني لهذا الأمر، قد جعل الله لك جدولا يجري أمامك، و حركي جذع النخلة فيتساقط عليك الرطب الطري الشهي و كلي منه و اشربي من هذا الماء العذب، و طيبي نفسا بهذا المولود و لا تحزني، فان رأيت أحدا من الناس و سألك عن شأن المولود فقولي أنك نذرت السكوت و الصمت لله تعالى و لن تكلمي أحدا من الناس،[4] و هكذا ولد النبي عيسى عليه السلام.
و بعد ولادته اتجهت السيدة مريم إلى قومها و معها مولودها، فلما رأوها وابنها أعظموا أمرها و استنكروه و قالوا لها: لقد جئت شيئا عظيما منكرا، فيا شبيهة هارون في الصلاح و العبادة - هارون رجل من بني إسرائيل و كان من العباد المجتهدين لله و المراد ليس النبي هارون أخو موسى - ما كان أبوك رجلا فاجرا و ما كانت أمك زانية فكيف صدر منك هذا و أنت من بيت طاهر معروف بالصلاح و العبادة، فلم تجبهم و أشارت إلى ابنها عيسى ليكلموه و يسألوه، فقالوا متعجبين: كيف نكلم طفلا رضيعا لا يزال في السرير، فيجيب عيسى وهو في المهد: (({قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} * {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} * {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} * {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا})) (مريم ـ 30 ـ 33). و هذا أول كلام تفوه به عيسى ابن مريم و هو لا يزال في المهد، اعترف لربه تعالى بالعبودية، ثم برأ أمه مما نسبه اليها الجاهلون، الذين اتهموها أنها حملت بالزنى, فبرأها الله من ذلك و أخبر عنها أنها صديقة و اتخذ ولدها نبيا مرسلا إلى بني إسرائيل [5], و قضى الله أن يؤتيه الانجيل, و جعل في عيسى البركة و الخير و النفع حيثما كان وأينما حل, و أوصى الله عيسى بالمحافظة على الصلاة و الزكاة مدة حياته, و لم يجعله متعظما متكبرا على أحد شقيا في حياته, و سلام الله عليه يوم ولادته و يوم وفاته و يوم يعود حيا.[6]. و عيسى أحد أولي العزم الخمسة الكبار, و بعد هذه الحادثة العظيمة لم يتكلم عيسى إلى أن بلغ سن الكلام.
[عدل] حياته نشأ عيسى عليه السلام في بيت لحم, و ظهر عليه العلم وهو صغير, وبدأ بنو إسرائيل يشكون منه, و أخذوا يتحدثون عنه أنه هو الذي سوف يهلك المنحرفين منهم, و أنه هو الذي سيظهر فسادهم, فبدؤوا يتحرشون به, لكن أمه كانت تحرص عليه حرصا شديدا, وكانت تخرج به خارج المدينة في كثير من الأحيان و لم تكن تبقيه وحده في المدينة, بعدها لجأت به إلى تل قرب بيت المقدس فيه عين ماء, و الكثير من العلماء يشيرون أنه و أمه انتقلوا من بيت لحم إلى بيت المقدس, و بدأ عليه السلام يكبر وعليه علامات الصلاح و العلم و الحكمة.[7].
[عدل] نبوته نشأ عيسى عليه السلام و قد ظهرت عليه علامات العلم و الحكمة، و لم يؤتى النبوة الا حين بلغ عمره ثلاثين عاما عندما أنزل الله عليه الانجيل، فأظهر الرسالة و بدأ يدعوا قومه لعبادة الله وحده واتقائه و طاعته, مبينا لهم صراط الله المستقيم, مصدقا لما بين يديه من التوراة و عندها أظهر الله عليه علامات النبوة مؤيدا اياه بالمعجزات، فكان يصنع من الطين كهيئة طير فينفخ فيه فيصبح طيرا باذن الله، و كان يمسح يده على الأعمى فيشفيه باذن الله، و أشفى الأبرص، و احياءه للموتى باذن الله، و كان ينبئ قومه ما يأكلون و يدخرون في بيوتهم، مع ذلك لم يصدقونه، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال لهم: من أنصاري إلى الله ، فأجابه الحواريون: نحن أنصار الله، امنا بالله و اشهد بأنا مسلمون، و كان عددهم اثنا عشرا. و هكذا امن الحواريون بعيسى كنبي مرسل من الله[7]. و ذكر القران القصة في سورة ال عمران في قول الله: (({وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} * {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ} * {إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} * {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} * {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ})). (ال عمران 49 - 53)
نزول المائدة:
خبر نزول المائدة حدث بعد أن امن الحواريون بعيسى, و يشير القران الكريم خبر نزول المائدة في سورة المائدة في الايات 112 - 115 : (({إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} * {قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} * {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} * {قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ})).
سألوه أن يدعو الله لينزل لهم مائدة من السماء, فأجابهم عيسى أن اتقوا الله في أمثال هذه الأسئلة ان كنتم مصدقين بكمال قدرته تعالى, فقال الحواريون: نريد بسؤالنا المائدة أن نأكل منها تبركا و تسكن نفوسنا بزيادة اليقين, و نعلم علما يقينا لا يدور حوله الشك بصدقك في دعوى النبوة, و نشهد بها عند من يحضرها من الناس, فأجابهم عيسى إلى سؤال المائدة لالزامهم بالحجة الدامغة و روي أنه لما أراد الدعاء لله, لبس جبة شعر و رداء شعر و قام عيسى يصلي و يدعوا ربه متضرعا له, ليكون يوم فرح و سرور لهم و لمن يأتي بعدهم, و ليكون دلالة و حجة شاهدة على صدق عيسى رسول الله, و قال عيسى داعيا ربه: "ارزقنا يا الله فانك خير من يعطي و يرزق لأنك الغني الحميد", فأجاب الله دعاءه فقال اني سأنزل لكم هذه المائدة من السماء, فمن كفر بعد تلك الاية الباهرة فسوف يعذبه الله عذابا لا بعذبه لأحد من البشر[8]. ثم نزلت المائدة من الجنة فأكلوا منها, و بذلك بقي الحواريون على ايمانهم[7].
[عدل] رفع المسيح يؤمن المسلمون بأن الله رفع المسيح إليه في السماء وأنه لم يقتل ولم يصلب، وأنه سيعود إلى الأرض في آخر الزمان ليقاتل المسيح الدجال. ويعتقد المسلمون أن اليهود صلبوا شبيها للمسيح وقد ورد ذلك صريحا في القرآن في قول الله: (({وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} * {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا})) (النساء ـ 157 ـ 158).
عندما بدأت معجزات النبي عيسى تظهر و تحدث الناس بها, خاف اليهود على سلطانهم الدنيوي و الديني و خافوا من أن يندثر دينهم, فتامر أحبار اليهود و ذهبوا إلى الحاكم الروماني في الشام, وأخذوا يحذرونه من عيسى عليه السلام, و يقولون له أن عيسى يريد أن يصبح ملكا على اليهود, و أنه سيأخذ الملك من الحاكم الروماني, فخاف الحاكم على ملكه, فأمر بالبحث على عيسى ليقتلوه و يصلبوه, فبدأت مؤامرة اليهود على عيسى عليه السلام بقتله, و ذلك بعد ثلاثة أعوام على رسالته[7]. فلما أتوا و لم يبقى الا القبض عليه و المسيح قد اهتم لهذا الأمر و خشي أن ينالوه بالأذى, أنقذه الله من أيديهم و طهره منهم و ألقى شبهه على شخص اخر علم فيما بعد أنه تلميذه الخائن و عرفته الأناجيل بانه يهوذا الاسخريوطي كما هو مشهور و صار بحيث أن كل من راه لا يشك في أنه عيسى, فاخذ و صلب و قتل و نجا المسيح من شرهم و قد أعلم الله تعالى المسيح بما سيتم و شاع في الناس أن يسوع الناصري قتل بعد أن صلب. "و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم" (النساء ـ157 ) [9].
و قد أورد الحافظ ابن كثير و ابن جرير و غيرهما من المفسرين, أن المسيح لما قرب وقت القبض عليه, ندب أصحابه ثلاث مرات طالبا أن يتقدم واحدا منهم ليفديه بنفسه ليقدم لليهود عوضا عنه و يكون جزاؤه الجنة فلم ينتدب له كل لمرة الا واحدا بعينه, فلما جاء أعداؤه ألقى الله على صاحبه الذي انتدب له شبه المسيح و صار بحيث لا يشك أحد من أصحابه في أنه عيسى , فألقي القبض عليه و صلب و قتل[9]., و الحديث نصه جاء كالتالي:
روي عن ابن عباس في رواية للنسائي على شرط مسلم، قال :
لما أراد الله عز وجل أن يرفع عيسى إلى السماء ، خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلا من عين في البيت ، ورأسه يقطر ماء ، فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي . ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ، ويكون معي في درجتي ؟, فقام شاب من أحدثهم سنا فقال : أنا . فقال له : اجلس . ثم أعاد عليهم ، فقام الشاب فقال : أنا . فقال له : اجلس . ثم عاد عليهم [ ص: 114 ] فقام الشاب ، فقال : أنا . فقال : نعم ، أنت ذاك . فألقي عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى عليه السلام من روزنة في البيت إلى السماء ، وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه ، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، فتفرقوا فيه ثلاث فرق . فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ، ثم صعد إلى السماء . وهؤلاء اليعقوبية . وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ، ثم رفعه إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه إليه ، وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة ، فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) يعني : الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى والطائفة التي آمنت في زمن عيسى ) فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) بإظهار محمد - صلى الله عليه وسلم - دينهم على دين الكفار ( فأصبحوا ظاهرين )[10]
و المعروف سواه هو أن الذي ألقي عليه شبهه انما هو يهوذا الاسخريوطي الذي واطأ الكهنة على الدلالة عليه بأجر[9]. و القصة مذكورة في تفسير ابن كثير في ما رواه كل من ابن جرير الطبري و الحسن البصري و محمد بن اسحاق و الضحاك بن مزاحم الهلالي.
و يروي ابن جرير الطبري في ذكر رفع عيسى عليه السلام قوله: إن عيسى بن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه، فدعا الحواريين وصنع لهم طعاما فقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال: من رد علي شيئا الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه. فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أن خيركم فلا يتعظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم لبعض نفسه، كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنتكم عليها فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي.
فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها؟ فقالوا: والله ما ندري مالنا، والله لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه فقال: يذهب بالراعي وتتفرق الغنم وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه.
ثم قال: الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات (أي قبل حلول الفجر)، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني.
فخرجوا وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا: هذا من صحابه. فجحد وقال: ما أنا بصاحبه. فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد ذلك، ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه.
فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فاخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل وجعلوا يقودونه ويقولون: أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا[11].
يقول ابن اسحاق: و جعل عيسى عليه السلام يدعو الله عزوجل أن يؤخر أجله, يعني ليبلغ الرسالة و يكمل الدعوة و يكثر الناس الدخول في دين الله, قيل: و كان عنده من الحواريين اثنا عشر رجلا: بطرس و يعقوب بن زبدي و يحنس ( يوحنا ) أخو يعقوب, و أندراوس, و فيلبس, و أبرثلما (برثلماوس), و متى, و توماس (توما), و يعقوب بن حلقيا (يعقوب بن حلفى), و تداوس, و فتاتيا, و يودس كريايوطا ( يهوذا الاسخريوطي ), و هذا الذي دل اليهود على عيسى[10].
و يقول الحسن البصري و محمد بن اسحاق:" كان اسمه داود بن نورا فأمر بقتله و صلبه فحصروه في دار بيت المقدس, و ذلك عشية الجمعة ليلة السبت, فلما حان و قت دخولهم ألقي شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده و رفع عيسى من ذلك البيت الى السماء و أهل البيت ينظرون و دخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب, الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه اهانة له و سلم اليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب و ضلوا بسبب ذلك ضلالا مبينا كثيرا فاحشا بعيدا".[12]
و يقول ابن إسحاق: "وكان فيهم رجل آخر يسمى سرجس كتمته النصارى وهو الذي ألقي شبه المسيح عليه فصلب عنه. قال: وبعض النصارى يزعم أن الذي صلب عن المسيح وألقي عليه شبهه هو يودس بن كريايوطا( يهوذا الاسخريوطي ). والله أعلم"[13].
ويقول الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس: "استخلف عيسى شمعون وقتلت اليهود يودس ( يهوذا الاسخريوطي ) الذي ألقي عليه الشبه"[14].
[عدل] المسيح بين الإسلام والمسيحية رغم الاختلاف بين الإسلام و المسيحية حول شخصية المسيح فالاتفاق بين الطرفين هو في ولادة المسيح من ام طاهرة هي مريم العذراء التي حملت وانجبت ابنها بولادة من غير زرع بشر تكريما له وتكريما لها واعتبار امه طاهرة صديقة عفيفة كرمها الإسلام في القرآن حيث سميت سورة كاملة باسمها وفيها حياتها بوصف تميز به القرآن في هذه المرأة بل انها عدت من نساء طاهرات سيدة من نساء الجنة والاختلاف بين المسلمين والمسيحيين حول شخصية المسيح هو أن المسيحيين يقولون انه الله وابن الله وانه لاهوت وناسوت وغيرها و الإسلام يقول انه عبد مرسل من انبياء الله.
عيسى في القران
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران :37] {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم :26-28] {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم :30-35] {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران :58-63]
|
|
|